خلال ما يقارب الستة أشهر، تسلمت إدارتنا مهامها في خضم إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية التي شهدتها أميركا منذ الكساد الكبير. وحينها كان اقتصادنا القومي يخسر بمتوسط قدره 700 ألف وظيفة شهرياً، بينما خشي الكثيرون من أن يكون نظامنا المالي قد بات على شفا هاوية الانهيار. بيد أن الإجراءات السريعة، والجهد المكثف الذي بذلته الإدارة خلال الشهور الأولى المبكرة من تسلمها لمهامها الرئاسية، ساهمت في سحب النظام المالي الاقتصادي من شفا الهاوية. وتضمنت تلك الجهود اتخاذ الخطوات اللازمة لتمكين المصارف والمؤسسات المالية من استئناف عمليات إقراضها للعائلات ودعم الاستثمارات، وتحقيق الاستقرار للمؤسسات المالية الرئيسية، فضلا عن مساعدة أصحاب البيوت على البقاء في منازلهم، وتمكينهم من الاستمرار في سداد ما عليهم من رهون عقارية. وخلال الفترة نفسها، تمت إجازة أكثر الخطط الاقتصادية شمولا في تاريخ أمتنا. ولم يكن القصد من إجازة "قانون إصلاح الاقتصاد الأميركي وإعادة الاستثمار"، أن يعمل تلقائياً على دفع اقتصادنا القومي باتجاه التعافي من أعراض الأزمة المدمرة التي لحقت به، إنما القصد من التشريع هو إعطاء الاقتصاد الدفعة اللازمة التي تقيه من مخاطر الانهيار التي هددته. وحتى الآن يمكن القول إن التشريع المذكور نجح في الوفاء بهذا الغرض. فمنذ انطلاقته بدأ هذا البرنامج كي يمتد لعامين كاملين، وهو قادر على حماية الوظائف الحالية وتوفير وظائف جديدة على نحو منتظم يزداد معدلها خلال موسمي صيف وخريف العام الحالي. وعلينا أن نسمح للبرنامج بالعمل وفقاً للطريقة التي صمم من أجلها، مع ضرورة فهمنا لحقيقة أن التعافي الوظيفي من آثار البطالة يتحقق بوتائر أبطأ بكثير من تعافي القطاعات والمجالات الاقتصادية الأخرى في حالات الكساد. ومهما تكن الصعوبات التي واجهناها، إلا إنني على يقين تام بقدرة بلادنا على تجاوز هذه العاصفة الاقتصادية. لكن وما أن نزيل حطامها في نهاية الأمر، حتى يقفز السؤال الملح: ما الذي نبنيه بدلا من ذلك الحطام؟ ونحن نعمل على إنقاذ بلادنا من أزمة اقتصادية شاملة ألمت بها، فإنني ممن يلحون على ضرورة بناء شيء أفضل مما كان موجوداً قبل الأزمة. فإذا ما فوتنا هذه الفرصة التي أتيحت لنا لمواجهة عوامل الضعف التي نخرت في عظام اقتصاد بلادنا لعدة عقود، فإنه لن يبقى لنا ولأطفالنا سوى مستقبل اقتصادي مأزوم أو بطيء النمو أو يتسم بكلتا الآفتين معاً. هناك من يقول إن علينا أن ننتظر لبعض الوقت حتى نتمكن من مواجهة كبرى التحديات التي تواجه بلادنا. وهناك من يفضل أن ننتهج نهجاً تدريجياً، أو أن نكتفي بألا نفعل شيئاً البتة. ولكن يجب القول إن هذا هو عين التفكير الذي قادنا إلى هذا المأزق. فلم تكن واشنطن تفعل شيئاً سوى تجاهل التحديات الكبرى وتأجيل اتخاذ القرارات الصعبة منذ عدة عقود. وهذا هو بالذات ما تطلعت إلى تغييره بدخولي لحلبة السباق الرئاسي في الانتخابات الأخيرة. الآن هو الوقت المناسب لبناء أساس اقتصادي صلب ومنتظم النمو، بما يمكنه ليس من الوقوف في وجه العواصف الاقتصادية المستقبلية فحسب، بل يضمن له الازدهار والقدرة التنافسية عالمياً. ولبناء ذلك الأساس الاقتصادي المتين، فإنه يتعين علينا خفض تكلفة الرعاية الصحية التي ترغمنا على الاستدانة، إضافة إلى خلق الوظائف الجديدة المستقبلية هنا داخل حدود بلادنا، وتزويد عمالنا بالمهارات والتدريب اللذين يمكناهم من التنافس على وظائف المستقبل هذه، إلى جانب اتخاذ القرارات الصعبة التي تمكننا من خفض العجز المالي الحكومي على المدى البعيد. هذا وقد حققنا بعض التقدم سلفاً في إصلاح نظام الرعاية الصحية بحيث تؤدي هذه الإصلاحات إلى خفض التكلفة وضمان الجودة وتوفير تعدد الخيارات للمواطنين. أما في مجال الطاقة، فقد أصدرنا من التشريعات ما يجعل من موارد الطاقة النظيفة أكثر ربحية وقدرة على خلق صناعات ووظائف جديدة، لا يمكن إسنادها إلى مؤسسات وشركات أجنبية. وسوف أتحدث خلال الأسبوع الحالي عن الكيفية التي نزود بها العمال الأميركيين بالمهارات اللازمة التي تمكنهم من التنافس للحصول على وظائف المستقبل. ففي ظل نظام اقتصادي يتطلب فيه التنافس على الوظائف الحصول على دبلوم جامعي على أقل تقدير، وتشير فيه المؤشرات إلى احتمال تزايد هذا النوع من الوظائف مستقبلا بمعدل الضعف قياساً إلى نمو الوظائف التقليدية التي لا تتطلب الحصول على أي درجة جامعية، فإنه لا مناص الآن من مواصلة التعليم والتأهيل إلى ما بعد المرحلة الثانوية. وهذا ما دفعنا إلى وضع خطط تهدف إلى قيادة العالم في حصول المواطنين على الدرجات الجامعية بحلول عام 2020. يقيناً فإن هذا هو الوقت الذي ينبغي علينا فيه إصلاح كلياتنا المجتمعية بما يمكن الأميركيين من كافة الأعمار من الحصول على المهارات التي تمكنهم من المنافسة على وظائف المستقبل. وفي وسع هذه الكليات أن تعمل باعتبارها مراكز للتدريب الوظيفي في القرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال العمل مع الاستثمارات المحلية بهدف مساعدة العمال على اكتساب المهارات المطلوبة لشغل وظائف المستقبل. وفي إمكاننا رفع ميزانيات هذه الكليات بما يساعدها على تحديث إمكانياتها، ورفع مستوى المناهج التي تدرس عن طريق الشبكة، حتى نتمكن في نهاية الأمر من تخريج 5 ملايين أميركي إضافي من الكليات المجتمعية بحلول عام 2020. وفي اعتقادنا أن تزويد جميع الأميركيين بالمهارات التي تمكنهم من التنافس في سوق العمل، يمثل دعامة أساسية من دعائم الأساس الاقتصادي المتين الذي نسعى لإنشائه. وهذا الهدف شأنه شأن الرعاية الصحية وسياسات الطاقة البديلة المتجددة وغيرهما، ليست من الأمور التي يمكن لنا تأجيل إحداث تغيير فيها. وكما سبق القول، فإن علينا متابعة بذل الجهود الكفيلة بإزالة حطام الكساد الاقتصادي الحالي، ولكن من الواجب في ذات الوقت، المضي قدماً لبناء شيء أفضل منه. وسوف يكون هذا البناء مهمة صعبة وجسيمة بالطبع. كما سيكون هناك دائماً من يحدثنا عن طرح اتخاذ القرارات الصعبة جانباً، طالما أنها ظلت تراوح مكانها منذ بضعة عقود. ولكن علينا أن نذكر أن أجيال الأميركيين الأوائل لم تبن هذا البلد الشامخ العظيم بالخوف من المستقبل ولا بقصّ أجنحة الأحلام. وعلى جيل الأميركيين المعاصر اليوم أن يظهر ذات العزم والجسارة، وإني على يقين بأننا سنفعل. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"