بين مهنّد وناظم حكمت، ترجح عند الجمهور العربي كفة الممثل الوسيم على كفة الشاعر المناضل، وبين عمار الكوسوفي وأورهان باموك يشغل الأول الأفئدة والخيالات، ولا يكاد الثاني، حائز جائزة نوبل، يذكر إلا في أضيق المجالات. من المؤكد، أن غيبة تركيا المعاصرة بآدابها وفنونها، تبدو شاملة في المنطقة العربية. ولولا عبق دخان الشيشة، واهتزازات الرقص الشرقي، ورائحة بعض أنواع الطعام، وذكريات الطربوش الأحمر، لما كان هناك مشترك بين شعبين جارين، ينتميان إلى دين واحد، وعاشا خمسة قرون تحت سلطة مركزية واحدة. وهناك من يحمّل تلك السلطة المركزية مسؤولية تلك الفجوة المعرفية. فالقوميون العرب ولوا ظهورهم لتركيا المعاصرة باعتبار ماضيها الاستعماري، والإسلاميون الذين يعلون من شأن الخلافة العثمانية يمقتون حاضر تركيا العلماني الأتاتوركي. وعندما يممت «الآستانة» وجهها ناحية أوروبا، كانت تضع اللبنة الأخيرة في الجدار الفاصل بين قوميتها الطورانية وجيرانها العرب. هذا الجدار يحتاج إلى نافذة حقيقية نطل عبرها على وجه تركيا الأدبي المعاصر، لكي نكتشف فيه ما لا تستطيع الدراما التلفزيونية والمسلسلات المدبلجة أن تكشفه. وقد عثرت على تلك النافذة من خلال هدية تلقيتها من مدير مشروع «كلمة» للترجمة، في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، الصديق الدكتور علي بن تميم. أربعة كتب من إصدارات المشروع تضع بين أيدينا مختارات من الأدب التركي المعاصر، ما بين رواية وقصة قصيرة. وأقلام جديدة تخرج عن سياق الأسماء المكرسة مثل إشق سوقان، وسرقان أوزبورون، وطارق دورسون كا، وبكير ييلديز، وزيات سليم أوغلو، وغيرهم.. نكتشف في هذا النتاج الأدبي وجه تركيا التقليدية، ومفارقاته العصرية، على ما فيه من تشابهات ذات صلة بوجوهنا. لقد فاتنا الكثير من معرفة الأدب التركي الذي يرقى إلى القرن الثامن للميلاد، على الرغم من عملية التأثر والتأثير المتبادلة. فلم نطلع على الكتابات باللغة التركية الجنوبية الشرقية المعروفة باللغة الجغتائية Chagatai، ومن أبرزها السيرة الذاتية التي وضعها بابر مؤسس الأسرة المغولية في الهند والتي تعرف باسم (بابر نامه) (أي كتاب بابر)، ولم نقرأ الكتابات باللغة التركية الجنوبية الغربية المعروفة باللغة الآذرية Azeri (أو الأذربيجانية)، ومن أقدم ممثليها الشاعر الصوفي عماد الدين نسيمي المتوفى حوالي العام 1418 وأعظمهم على الإطلاق الشاعر محمد فضولي المتوفي عام 1556، ولم نتابع بالتفصيل الكتابات باللغة العثمانية (أو الأناضولية)، وهي الأكثر ثراء في الآداب التركية، ومن أشهر اعلامها أحمد باشا بورصلي المتوفي عام 1497 وباقي المتوفي عام 1600 ونفعي المتوفي عام 1636 ونامق كمال (1840 ـ 1888) وتوفيق فكرت (1867 ـ 1915) ومحمد عاكف (المتوفي عام 1936) وخالدة أديب (1883 ـ 1964) وناظم حكمت (1902 ـ 1963). مشروع «كلمة» بدأ رحلة الألف ميل في التعريف الحقيقي بالأدب التركي، وهو ما يستحق عنه عبارة «شوكوزيل». عادل علي adelk58@hotmail.com