في الأسبوع قبل الماضي كنت في فسحة مع لعبة الوقت، حيث تمكنت من متابعة بعض من حفلات مهرجان «أنغام من الشرق» في مسرح أبوظبي على كاسر الأمواج، حيث الموسيقى الاستثنائية برغم قدمها لحناً وكلاماً، موسيقى قادمة من عمق تراث الشرق العريق، موسيقى مازالت تضيء الروح. ففي هذا المهرجان حرصت على متابعة اللبنانية ريما خشيش التي قدمت شيئاً من جمال الموشحات بصوتها الجميل وإحساسها الرائع. وموسيقى كنان العظمة مع فرقته بعزفها الآسر. والفنانة الجزائرة نسيمة التي قدمت شيئاً من التراث الموسيقى الجزائري. والموسيقار سيمون شاهين الذي فتن الحضور بالعود والكمنجة. و الفنانة السورية وعد بوحسون بعزفها البهي وترنمها بشعر المتصوفة. وكذلك تخت«الأدوار الموسيقى» للمغنية عائشة رضوان والموسيقى اللبناني حبيب يمين الذين قدما شيئاً من عبق الموسيقى والشعر الروحيين. وكذلك متابعة الصفاء العالي للموسيقى الفارسية من خلال فرقة «نيستان» للموسيقى الإيرانية التقليدية. و فرقة «زاربانج» بقرعها الباهر على الطبول الذي جعل الحضور الكبير يصفق لها طويلا مع آخر نغمة. وبدا من خلال جل ماقدمه هؤلاء الموسيقيون أنهم يعملون بصدق وشغف لتقديم موسيقى يمكن أن نقول عنها خارجة عن النص التقليدي للموسيقى السائدة في العالم العربي تحديداً؛ إنها موسيقى ترتكز على الفكر والثقافة والإحساس الراقي الشفاف حد الفتنة؛ يقدمون موسيقى بمثابة المغامرة في هذا الزمن الذي راجت فيه أشكال مختلفة من الموسيقى التي تهافتت عليها الآذان والذائقة الشرقية. فوسط طوفان الذوق الجديد، يستمر مبدعو ما اصطلح عليه بالموسيقى التقليدية، يقدمون موسيقاهم، لأنهم آمنوا بالموسيقى كفن راق يحترم الذائقة وعقل الإنسان. وهنا لابد من الإشارة إلى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث لمبادرتها في جمع أطياف موسيقى الشرق الساحر في مهرجان؛ موسيقى نحن في حاجة إليها لفهمها ومعرفتها والتقرب منها، بل والعودة إليها لتكون حاضرة في عالمنا المليء بالضجيج والفوضى؛ وفي مبادرتها هذه تقربنا «ثقافية أبوظبي» من هؤلاء المبدعين، الذين حسب «البروشور» وفقرات التقديم والبيانات الصحفية، يتمتعون بشهرة جيدة في عالم غير عالمنا، حيث لهم حضورهم البارز في الغرب خصوصا في إسبانيا وفرنسا وأميركا. إلا أن هؤلاء الموسيقيين الذين يحملون في أرواحهم عبق موسيقى الشرق ويصرون على إحيائها وحضورها في الحياة، يمرون دون ذكر في إعلامنا العربي المسموع والمرئي والمقروء وكأنهم ليسوا من ضمن الفعل الفني والثقافي العربي، فيما كل الأضواء تذهب إلى أولئك الذين لا يتركون بموسيقاهم أثراً في النفس ولا صفاء في الروح. *** نتمنى أن يعود مهرجان أنغام من الشرق في دورته المقبلة أكثر إشراقاً وسحراً، يعود مترجماً سحر الشرق بكل بهائه على خشبة المسرح، أن تقدم الحفلات بشيء من مسرحة الحفل الموسيقى بحيث يعتني أكثر بالإضاءة وديكور المسرح ليتخذ طابعاً يشير حقيقة لما يحتضنه الشرق من جمال، وينقل فتنة الأنغام والألحان والغناء، بصورة احترافية جذابة تسحر العيون قبل الآذن لدى الحضور المهيب في إصغائه. ونتمنى أن يعود إلينا الفنانون بتجاربهم الجديدة في بحر الموسيقى التراثية التي كان حضورها معبق بالتقدير والرقي وجمال الأذن التي باحت بأن الذوق العام لم يفسد كله بعد. saadjumah@hotmail.com