كنت أمام التلفاز، أشاهد الفيلم القديم المأخوذ عن رواية إش· جي· ويلز الشهيرة ''آلة الزمان'' التي أذكر أني قرأتها في ترجمة مبسطة، أصدرتها ''دار المعارف'' المصرية، وقرأتها في طفولتي، فقد كانت الرواية ضمن سلسلة من الأعمال العالمية المعدّة للناشئة ولا أظنني انتبهت في ذلك الوقت إلى المغزى الفعلي من الرواية، فقد شدني الخيال الإبداعي الذي خلق هذه الآلة العجيبة التي حلمت، صغيراً، أن أركبها وأرتحل بها، عبر الزمان والمكان، ويا له من سحر بهيج ذلك الذي غمرني، وأنا جالس في حجرتي، أحلم أن أجلس على مقعد هذه الآلة، وأديرها، وألعب بعدد من أزرارها فتنقلني إلى قرون غابرة أراها في مجالس هارون الرشيد، وأنتقل منها إلى حضرة سقراط وأن أراه يتجرع السم، احتجاجاً على الحياة والأحياء، ثم أداعب الأزرار لكي تحملني إلى زمن كليوباترا، فأرى بهاءها، وتقاسيم جسدها نادر المثال، وأظل أحلم، وأقرن بين ''آلة الزمان'' و''بساط الريح'' الذي أخذ يشغل مكانه في الأفلام التي نراها، ولا أزال أذكر أوبريت فريد الأطرش عنه في أحد أفلامه التي أراه فيها، بعيني الخيال، مرتحلاً بين أقطار العالم العربي، وإلى جانبه سامية جمال ممشوقة القوام، تفتن خيال الصبي بقدرتها المذهلة على التحكم في جسدها الذي تعرف كيف تحيله إلى ما يشبه الأوتار التي تعزف عليها أجمل الأنغام· وقد مضت كل هذه الذكريات، وأنا أشاهد الجزء البهيج من فيلم ''آلة الزمان'' في أول إخراج لها، فقد كنت مبهوراً بفكرة الارتحال عبر الأزمنة، ولكني هذه المرة جاوزت سحر الانبهار، وأخذت أنتبه إلى أن رواية ويلز تعالج المستقبل، وتتأمل احتمالاته التي يمكن أن تنقلب إلى حلم بهيج أو كابوس مخيف· وأعرف أن رواية ويلز مكتوبة في أواخر القرن التاسع عشر، قبل الحربين العظميين، وتتنبأ بالحروب التي سوف يقوم بها البشر، مستغلين تكنولوجيا التقدم أبشع استغلال، فينتهي الأمر بالحضارة البشرية كلها إلى الدمار، كما لو كان العلم الذي أراده الإنسان سبيلاً إلى الارتقاء بعالمه يمكن أن يحيله الغباء الإنساني وسيلة للدمار· وأحسبني للمرة الأولى أدرك الجانب المتشائم للمستقبل الإنساني في رؤية إش· جي· ويلز الذي كان ينتسب إلى الحركة الفابية في إنجلترا، تلك التي كنا نعرف منها جورج برنارد شو· ويبدو أن تداعيات التشاؤم من مصير البشرية في رواية ويلز هي التي جعلتني أتذكر الأفلام التي تتخذ هذا المنحى في النظر إلى المستقبل، وهي ليست قليلة·