اقتضت حكمة الله تعالى أن جعلت الطلاق بيد الرجل وحده، وفي المقابل جعلت الخلع بيد المرأة حتى إذا ضاقت عليها الأمور وأغلقت في وجهها الأبواب وجدت مخرجاً، ومن ثم كان الخلع فداء تملك المرأة بموجبه أمرها، ولا يجوز لها أن تلجأ إليه إلا إذا تضررت من زوجها ولم تقدر على الطلاق منه، أو خافت ألا تقوم بحقوقه الشرعية، لكن في أيامنا هذه أساءت الكثيرات استخدام حق الخلع ووجدن فيه ذريعة للانفصال عن الأزواج لأسباب تافهة وذرائع واهية لا ترقى إلى أن تكون أسبابا لهدم كيان الأسرة.
أحمد مراد (القاهرة) - حول استغلال بعض النساء لهذا الأمر، والاستسهال في طلب الخلع، ترى الباحثة الإسلامية الدكتورة خديجة النبراوي صاحبة موسوعة أصول الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الإسلام أن تهاون المرأة واستهانتها باتخاذ أتفه الأسباب ذريعة لطلب الخلع يدل على جهل بالدين وبالحق الشرعي الممنوح لها، مشيرة إلى أن الإسلام حينما شرع الخلع جعله حلاً وطريقاً مشروعاً أمام الزوجة عندما يستحكم الشقاق، ويستحيل الوفاق مع زوجها لكره شديد تكنه في نفسها تجاه الزوج، أو لعيب في خلقه أو خلقته. أو لشيء جلل في نفسها ولا تريد أن تبديه، موضحة أنه إذا وقع الخلع لأسباب واهية كتلك التي نسمع عنها هذه الأيام، فإن الخلع صحيح، ولكن الحرمة واقعة على المرأة وحدها، ومن ثم يجب على النساء أن يحذرن الظلم وعقوبته.
التضحية
وأوضحت ضرورة أن يكون الخلع وفقاً للنصوص الشرعية الواردة في شأن هذا الأمر سواء نصوص القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، بمعنى أن تكون الأسباب التي تقف وراء الخلع قوية كما جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ثم فإننا نعيب على بعض النساء طلبهن الخلع لأسباب لا ترقى إلى أن تكون أسباباً لهدم كيان الأسرة والانفصال عن الزوج والتضحية بالحياة الزوجية المقدسة، داعية المرأة إلى أن تتقى الله تعالى في أسرتها وزوجها، ولا تسعى للخلع إلا إذا كانت هناك ضرورة لذلك، وهي الضرورات التي حددها القرآن الكريم وبينتها السنة النبوية، والتي تؤكد في مجملها استحالة استمرار الحياة الزوجية.
وهناك ظروف يحق للزوجة فيها طلب الخلع، ويكون الانفصال بين الزوجين أفضل من استمرار حياتهما وقد وصلا لطريق مسدود، لا يحترم كل منهما الآخر، ولا يحب كل منهما الآخر، لكن في المقابل، كما تقول الدكتورة خديجة النبراوي لا يجوز للمرأة أن تهدم أسرتها لمجرد أسباب وذرائع تافهة، فهذا الأمر يمثل استخفافاً بالقانون والدين والروابط الأسرية وبالمجتمع كله، حيث أن هناك أبعادا اجتماعية خطيرة قد تصيب المجتمع المسلم إذا استمر معدل قضايا الخلع في الارتفاع بهذا الشكل، وبالتالي لا بد أن نضع ضوابط قانونية حتى لا يصبح الخلع قنبلة موقوتة تفجرها الزوجة وقتما تشاء، وتهدد بها كيان الأسرة واستقرارها.
استثناء للزوجة
وقال أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة: الخلع استثناء للزوجة لأن الزوج يملك الطلاق في حال إساءة العشرة مع زوجته، حيث جاءت أحكام الله سبحانه وتعالى مبنية على الحق والصدق والعدل في مجملها وتفصيلاتها، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يجعل الطلاق بيد الرجل وحده، وأن يجعل الخلع بيد المرأة حتى إذا ضاقت عليها الأمور وأغلقت في وجهها الأبواب وجدت مخرجاً من النكاح، فالخلع فداء تملك المرأة بموجبه أمرها، ولا يجوز للزوجة أن تلجأ إليه إلا إذا تضررت من زوجها ولم تقدر على الطلاق منه، أو خافت ألا تقوم بحقوقه الشرعية، وهو جائز باتفاق أهل العلم لقول الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، «البقرة: الآية 229»، ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه فيه، ولا يتوقف العمل بالخلع على الحاكم أو القاضي، بل إذا اتفق الطرفان على الخلع فإنه يمضي وتملك المرأة بموجبه أمرها. وكان أول خلع وقع في الإسلام هو خلع امرأة ثابت بن قيس بن شماس وهي جميلة بنت عبد الله، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقه.
وبالنسبة لما تقضيه الأحوال في حال اتخاذ القرار بالخلع، أشار إلى أن الخلع لا يجوز إلا بموافقة الزوجين، لأن المرأة فيه هي الباذلة للمال، ولا يجوز حملها على دفع مالها في الخلع بغير رضاها، كما أن الرجل هو المالك للعصمة ولا يصح حمله على تركها بغير رضاه، ولكن هذا الأصل قد يعدل عنه في بعض الأحوال، كما إذا حصل شقاق بين الزوجين ولم يمكن إصلاحه، فقد أمر الله ببعث الحكمين في هذه الحال، قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، «النساء: الآية 35» - ومثل هذا إذا تضررت المرأة بالبقاء في حبال الزوج وكرهته فيجوز للقاضي حينئذ أن يوقعه عليه إذا ثبت لديه بالقرائن حاجة الزوجة له، ولكن لا يجوز للمرأة أن تسارع إلى الخلع من دون سبب، فقد ورد الحديث بالزجر الشديد عن ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات».
استحالة العشرة
وبخصوص تفاهم الزوجين وأسس الحياة، يرى الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور محمد رأفت عثمان أن العلاقات الأسرية وخاصة علاقة الزوج بزوجته يجب أن تقوم على المودة والرحمة والمحبة والوئام والسكن، وإذا ما وصلت هذه العلاقة إلى درجة النفور أو البغض واستحالت العشرة بينهما، فإن الشريعة سمحت بافتراق الزوجين عن طريق الطلاق، كما أعطت الشريعة المرأة أن تخلع زوجها إذا كانت لا تطيق استمرار العلاقة معه لكرهها إياه وخوفها من ألا تؤدي حق الله عليها تجاهه، وقد يظلم بعض الرجال انفسهم لإصرارهم على ألا يطلقوا زوجاتهم اللاتي لا يرغبن في استمرار الحياة معهم ويكرهن العيش معهم، وهنا تضطر المرأة إلى طلب الخلع وافتداء نفسها بمال، وهو حق منحه الله تعالى ورسوله للمرأة التي لا تطيق الاستمرار في الحياة مع زوجها ولو لم يسئ إليها أو يضارها، وهذا الأمر معلوم في قصة ثابت بن قيس مع زوجته. ومن هنا فإن الخلع حق للمرأة في مقابل حق الرجل في الطلاق.