هناك صنفان من الناس في الحياة، صنف ينتمي للكائنات الصيفية، وهؤلاء يحبون البياض والألوان، وخفاف، ووين هبّت عندهم ذرت، والأمور ما تخالف عندهم، كله يمشي، والذي لا يمشي يعدونه بسهولة، وصنف يتبع الكائنات الشتوية، هؤلاء طيبون، لكنهم صارمون، ومتقيدون، ومزاجهم متقلب حسب الطقس والأجواء، ملابسهم تميل للغامق منها، ويحبون أن يتدثروا، ولا يخرجون إلى أي مكان إذا لم تكن زينتهم متكاملة وصوفية ووبرِية، الشتاء وحده يجعلهم منسجمين ومتناغمين، وضحكتهم لا تفارقهم، لم تظهر تلك العلامات الفارقة بين الكائنات الصيفية والكائنات الشتوية إلا هذا الصيف الذي لم يتحمله الجميع.
الجيل القديم جيل الطيبين أكثرهم ممن ينتمون للكائنات الصيفية، والشتاء عدوهم الأول، وما يقهرون البرد «المريعي»، لذا كنت تجدهم «متعقطين ومتزربلين، والواحد منهم يرضف على عمره كندورتين»، وقد مرّ على ذلك الجيل حر ولغط وطهف و«وهَيّة تقول مورين تحت الواحد بطرَافه»، وعرفوا أقسى أنواع الرطوبة و«الليز»، وكانت كندورة الواحد تلصق على جنبه، لا مكيفات ولا مراوح، غير مهفة أو يغط الواحد منهم وزاره في الفلي، ويبرّد على عمره، وأقلها يستظل بفيء شجرة أو ظلة لوميّه، ورغم ذلك كانت الأمور عادية، وتعدي، لكن لم نشهد حراً مثل هذه السنة، ما تعرف شو تسميه، حر يتبعك في كل مكان، حر يعطل المكيفات، حر لا يعطيك فرصة لتتنفس، وثمة انبعاثات، تكاد تشم أنواعاً من الغازات الطائرة في الجو، حر يستدعي دواب وهوام الأرض لتخرج من جحورها.
هذا الصيف لا أحد ما اشتكى، ولا أحد ما تأذى من هذا الحر، حتى الكائنات الصيفية مثلي التي تفضل الصيف على الشتاء، لأنه بالنسبة لهم فرح، وتخفف من الأردية الثقال، والإنسان أقرب لطبيعته، يمكن أن يمشي حافياً على سيف البحر، يلعب بالماء، وتأتيه نسمة هواء مشاغبة لتدخل عنوة تحت قميصه الكتاني صديق الصيف، يمكن أن تشرب ماء بارداً وأنت فرح، ولا تتلوم مثل الشتاء، كل فواكه الدنيا حاضرة، ومتعة الصيف السفر، وطقوسه، غداء بحري في بندر مدينة على المتوسط، والعشاء في قرية صغيرة على تلة تشاهد تلألؤ الأضواء تحتك، والليل يظل سارياً، فلا تعرف منتصفه متى يبدأ، إذا كانت الشمس تغيب في العاشرة.
إذا كانت الكائنات الصيفية هذا العام متضررة، فالكائنات الشتوية الله يعينها ربما رجعت لبياتها الشتوي مبكراً، ولم تظهر من البيوت، ومن الصباح تدعو لانكشاف الغمة، وتدعي على حظها الحار الرطب هذا العام، والذي تبعهم لمناطق هجرتهم السنوية، وضيع عليهم كل شيء، وربما جعلهم ينتظرون طويلاً حتى يدخل عليهم السهيلي، ويروا أول سحابة مدرّة في سمائهم.
بس بصراحة أصدقاؤنا من الكائنات الشتوية أشفقنا عليهم هذا الصيف الذي كان يحمل معه مروحة صغيرة في كل مكان يذهب له، تقول مرابي من تجار «البانيان»، والذي المهفة ما تفارق يده تقول يابانية من «الجيشا»، والذي يشالي بـ «غرشة» الماء، تقول «وحَرة» عطشانة، والتذمر واضح عليهم حتى تشعر أنهم بدؤوا يكرهونك ليس من طبعهم، ولكن من «وزى هالحر» الذي أخرجهم من طبيعتهم وطيبتهم، حتى غداءهم تقول غداء واحد مريض، ليس مثل العادة، وتلقاهم بيضاربون أي واحد يذكر لهم الرطب أو دخول سهيل أو أي شيء يخص حساب الدرور.