السفر إلى «تيجري Tigre» القريبة من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، سفر جميل ومستدام في تلك الطريق المائية من «بورتو ماديرا» الميناء القديم والمكان الأقدم، حيث رست أولى السفن الإسبانية في عام 1516 بقيادة «خوان دياز دي سوليس» في منطقة «ريو دي لا بلاتا»، إلى منطقة ليست بالبعيدة، حيث رست سفن البحّار الإيرلندي «ويليام براون» الذي أسس البحرية الأرجنتينية، وقادها في معارك الاستقلال، وتوفي في بوينس آيرس عام 1857 ودفن في مقبرة «ريكوليتا» التي تعدّ من أكبر المقابر في أميركا اللاتينية. 
وفي يوم استثنائي ليس بالنسبة للطقس الشتائي المعتدل والذي لا يخلو من مطر يجلب العافية للبدن، ويعطي للشوارع التماعة جميلة، ويجعل من الطيور أكثر فرحاً في نهار ذلك اليوم، ولكن لأنه يوافق يوم العلَم الأرجنتيني ومصممه السياسي والمناضل والصحفي «مانويل بلغرانو» في عام 1812، حيث يمثل اللون الأزرق السماوي «السماء» واللون الأبيض «النهر الفضي والسحاب». كما ترمز الشمس إلى شمس مايو «ثورة مايو» التحريرية، حيث تجد العلَم الأرجنتيني نهارها مرفوعاً على كل البيوت تقديراً وإجلالاً لهذا التاريخ المهم في حياة الأرجنتينيين.
في طريق الوصول إلى «Tigre» البحري الذي يستغرق ساعتين وثلاثين دقيقة في مركب يتهادى بين الضفتين شاقاً الموج الهادئ بانسيابية نغم لا تريده أن ينتهي، في تلك العبّارة عبر نهر «ريو دي لا بلاتا» نهر الفضة، هناك آلاف من الجزر الصغيرة، حيث ترى الحافلات المدرسية التي هي في الحقيقة مراكب لنقل الطلبة والمعلمين إلى المدارس، في تلك المنطقة «منطقة الدلتا» التي لا يتعدى عدد السكان فيها 9 آلاف نسمة.
 هناك محطات تحلية المياه على جانب النهر وإعدادها لتكون مياه صالحة للشرب، كذلك هناك بيوت للأثرياء في تلك الجزر الصغيرة، المشكلة التي تؤرق السكان أن النهر يزحف باتجاه بيونس آيرس كل سنة قرابة الكيلو متر، الأمر الذي يمكن أن تختفي معه تلك البيوت الخشبية الجميلة في غضون سنوات قادمة.
من الأشياء التي تفاجئ الزائر أن ترى الزبالة تعلق في أكياس وتمر قوارب تجمعها، يزورها سنوياً 5 ملايين زائر من الداخل والخارج، حيث تشتهر ببيع الأثاث الخشبي الذي يصنع محلياً، والمعروضات التقليدية، والأكلات الشعبية في السوق البلدي الكبير، فيها 16 نادياً للتجديف، في حين يسكن في مدينة Tigre ما يزيد على 400 ألف نسمة، والتي سماها الإسبان «Tigre» لأنهم رأوا فيها حيوان الجاكوار، لكنهم أطلقوا عليها مسمى النمر، والذي أصبح شعاراً للمدينة.
لكن قبل أن تترك Tigre لا تنسى عمل شيئين: تجربة شرب «المتّا» ذاك الشراب العشبي المُعد من عشبة «يرفا متّا»، والتي أصلها من الأورغواي، والإسبان طوروا زراعتها في المناطق الرطبة، حتى أصبحت مشروباً شعبياً في بعض مناطق البرازيل مع الحدود الأرجنتينية والأورغواي والبارغواي والأرجنتين، ويصنع الوعاء من القرع والآن من الخشب مع مصفي ومصاص معدني، ويعد اللاعب «ميسي» واحداً من عشاق شرب «المتّا»، حيث تجده قبل أن ينزل الملعب يحمل إبريقاً يحتفظ بالحرارة فيه شراب «المتّا»، والأمر الآخر عليك أن تضع حبة عدس في جيبك على طريقة الأرجنتينيين، لأنها تجلب لك الحظ.. وغداً نكمل