لعل قصة ذاك الهندي الذي ادعى السفر، وأنه كان على متن الطائرة الهندية المنكوبة، وأن رقم مقعده عليها ربما K 11، لا أدري، وأنه كان الناجي الوحيد، وبعد ظهور حقيقة وضعه، وكذبه وادعائه بعد أن نال شهرة عالمية في نقل صوره المأساوية، وتعاطف الناس معه، وحسده ربما على حظه، وكان يمكن أن يتمادى ليطلب المساعدة، والناس بقلوب بعضها الصافية ستتبرع له، لكن الذي يدخل في دوامة العمل الإعلامي العالمي لا بد وأن يظهر كذبه من صدقه سريعاً، فالكثير من الوكالات أرسلت مراسليها لعمل تحقيقات وسبق صحفي معه، وهذا ليس بالمجان، المهم أنه نال شهرة عالمية حين تناولته وكالات الأنباء بالتغطية، فنال الشهرة من قبل ومن بعد الكذب، ولا أدري ما هو القانون الهندي وهل يعاقب على مثل تلك الأمور؟
نخرج من تلك القصة كيف أن الناس اليوم أصبحوا يتغذون على مصائب الناس، وفي لحظات ضعفهم الإنساني وأوجاعهم، خاصة وأن كاميرا الهواتف تظل دائماً مفتوحة على أبواب الشهرة ولو كانت على حساب الآخرين، فكم من حادث تجد الناس متجمعين ومتجمهرين يصورون المصاب قبل أن يقدموا له الإسعافات الأولية، ويهمهم رأي متابعيهم قبل رأي الشخص صاحب القضية.
هناك على المنصات كم هائل من المخازي ومن المجرحات والمحرجات في حياة الناس يضعها عشاق الشهرة الرقمية على منصاتهم وبواسطة كاميرا هواتفهم دون مراعاة إنسانية أو قانونية أو قيم أخلاقية، والمشكلة ما أن يظهر أي شريط مصور أو خبر ملفق مع تركيب صوري على أي منصة يتم تناقله، ولا يجدي معه المنع والحجب.
رحم الله مصوري «الباباراتزي» على أيامنا، والذين كانوا يطاردون المشاهير والنجوم، ويصورونهم في مواضع لا يحبونها أو يقتنصون صورة لم يسبقهم أحد عليها بغية الجائزة الصحفية والمكافأة المالية، لكن اليوم أصبح كل واحد مشروع «باباراتزي»، ومستعد للتنازل عن كل شيء مقابل الشهرة والمتابعة والمال الحرام.
لكن إذا الواحد منهم أو منهن مستعدة أن تفسخ برقع الحياء، وتقص على المتابعين تفاصيل حياتها منذ أن تنهض، وهي تعمل دعاية لملابسها وكاسات القهوة وتفاصيل علاقتها الزوجية، بل البعض يتمادى من «الرجال»، ويظهر معها بذاك الوجه الخالي من دم الرجولة مشجعاً ومسانداً لتلك الرخوة التي تتمطى الكلمات وتتمطى الدلع الماجن، وإرسال قبلات للمتابعين غير الكرام في حضور الزوج المبجل.
ما هي الشهرة وفائدتها التي تأتي على ظهر التخلي عن السلوك والآداب والقيم الإنسانية أو تأتي على مصائب وأوجاع الآخرين أو تأتي سهلة مقابل التنازل عن الشيم والقيم؟
وإلى متى ستظل الساحات الرقمية والفضاء الرقمي مباحاً على حساب الإنسان وفضائل المجتمع، دون رقابة وصرامة قانونية، ودون ترخيص مهني ومراجعة وغربلة لتاريخه وسيرته ومؤهلاته التي ترقى به ليكون مؤثراً وفاعلاً من أجل الناس والمجتمع، لا من أجل نفسه وشهرته الزائفة، وأموال يسلبها من الضحايا أو من أوجاع الناس!