حتى تكتمل الصورة البديعة في المدينة ويزداد إشراقها ويكبر حبها الأبدي، لا بد أن تأتي النوارس في موعدها المعتاد، شتاء رائع وسماء تنادي الغيوم الآن. صورة وصوت الجمال والحب تأتي كلما جاء الشتاء والنوارس، لا شيء يعادل شتاء الإمارات ولا سماء تشبه سماء هذه الأرض الحبيبة. كل هذه الزرافات من النوارس بأجنحتها البيضاء التي لا يماثلها غير الأشرعة البيضاء التي كانت تقود السفن منذ فجر التاريخ نحو الساحل الجميل ومراسي الإمارات.
اليوم تتلبد السماء بالسحب والغيوم، وطيور البحر تعزف لحن وموسيقى الجمال. هذه البحيرة أعرفها قبل شهر من الآن، كانت مياهاً زرقاء تنتظر القادم من الشمال، تنتظر زخات المطر ورفات طيور البحر. كانت في انتظار الغائب الجميل ناصع البياض، هذا الذي يزيد من جمال المدينة ويطرز البحيرة في تشكيلاته الرائعة. وحدها النوارس بشارة الجمال، تماماً كما يبعث فينا اللون الأبيض الفرح والسرور دائماً. هذا اللون الجميل الذي في حضوره تزهو الحياة وتعم البهجة والاحتفال، أينما ظهر الأبيض تأتي البشارة ويسعد القلب، الآن تأتي النوارس حاملة لونها الأبيض، تغرد وتنشر أجنحة الحب في كل مكان على ساحل البحر، في البحيرات والمسطحات الخضراء، تملأ المدينة، تحتل الشواطئ. إنها رسائل الحب والصفاء والجمال، هي فرح الوقت والمدينة والبحر.
أجمل صورة في الإمارات عندما يمتزج هطول المطر مع رفات هذا الطائر الجميل، نوارس تحلق بخفة، تستقبل المطر مع مشاهد بديعة من جمالية هذه الأبراج والمباني فريدة التصاميم، وكأن الفضاء ساحة عرض لبديع ما تحتويه المدينة، عروض مكتملة الجمال بين مدن تصعد إلى السماء في روعة التعمير ومطر يأتي كالموسيقى وهذه الطيور المحتفلة بهذا المشهد الفريد. منذ الطفولة ونحن نطارد هذا العشق وهذه النوارس، ما كان يعنيها أننا يوماً في طفولتنا البعيدة نصبنا لها الفخاخ وحرمناها من حرية التحليق، حيث لم تمنعها من الحضور أصوات بنادق الصيد، كانت تأتي رغم ذلك كل شتاء لأنها تؤمن أن الحرية لا بد أن تنتصر يوماً. وبالفعل دارت الأيام والسنون وكبرنا وتغيرت أفكارنا، وانتصر النورس بحريته وبحب الحياة والترحال وحب الماء والجمال. الآن أصبح يقع في دائرة المساءلة كل من يعتدي على النوارس أو أي طائر. ازدهر كل شيء في المدينة وكبر الحب وعظمت مكانة الأبيض الجميل، ورفت أجنحة النوارس بحرية وكأنها أشرعة وبشارة الفرح والحلم الجميل.