كشف تقرير عن "حالة الأمن السيبراني لعام 2025" في أوروبا، صادر عن مؤسسة "هارفانج لاب" الفرنسية المتخصصة في الأمن السيبراني، عن تحول كبير: إذ تعتبر 58% من الشركات الأوروبية الآن الجرائم الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التهديد الرئيسي لها، مقارنة بـ 46% في العام الماضي.
بينما يرسخ الذكاء الاصطناعي مكانته كأداة دفاع أساسية، فإنه يثير أيضًا مخاوف متزايدة بشأن هجمات جديدة أكثر أتمتة وتطورًا، والأهم من ذلك كله، أكثر صعوبة في الكشف عنها.
يُسلط هذا الإصدار الأخير من التقرير، المستند إلى شهادات 800 متخصص في تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، الضوء على تسارع الهجمات وعدم اليقين المحيط بقدرة المؤسسات على الاستعداد لها.
علّقت أنوك تيلر، نائبة الرئيس التنفيذي في مؤسسة "هارفانج لاب" قائلة "تُسلّط أبحاثنا الضوء على اختلال متزايد. يعتمد المهاجمون على الأتمتة والذكاء الاصطناعي لتحقيق السرعة والتخفي. من ناحية أخرى، يتعين على فرق الدفاع مواجهة تهديدات متزايدة التعقيد ونقص في الكوادر البشرية".
الذكاء الاصطناعي: أداة هجوم ودفاع
يستغل مجرمو الإنترنت، الذكاء الاصطناعي لأتمتة هجماتهم وتسريعها وإخفائها. ويظهر هذا التطور في تغييرات يومية في عناوين الطلبات، وبرامج ضارة معيارية، وانتشار خفي عبر الوسائط المادية أو الشبكات الداخلية. يعكس الجمع بين السرعة والقدرة على التكيف تحولاً جذرياً في المخاطر.
ولمواجهة تفاقم الهجمات الإلكترونية وتطورها، ينشر مسؤولو أمن المعلومات أيضاً حلولاً قائمة على الذكاء الاصطناعي: يعتقد 82% من المشاركين أن هذه الأدوات تُضيف قيمة حقيقية لدفاعاتهم.
رغم أنهم يعتبرون الذكاء الاصطناعي حليفاً أساسياً، إلا أن الخبرة البشرية لا تزال ضرورية لتفسير التنبيهات بدقة وتحديد أولويات الاستجابات: 79% من مسؤولي أمن المعلومات مقتنعون بذلك.
اقرأ أيضا... ما الذي يحمله مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
نقص المهارات، عقبة رئيسية
بعيداً عن التكنولوجيا، فإن البعد البشري هو الذي يُضعف الدفاعات. في ألمانيا، تُشير 47% من الشركات إلى ندرة مواهب الأمن السيبراني كشاغلها الرئيسي، مقارنة بـ 37% في فرنسا. يُسلط هذا التفاوت الضوء على أن المشكلة ليست موحدة في جميع أنحاء أوروبا، ولكنها تؤثر على بعض أفضل الاقتصادات تجهيزاً.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُخفف من هذا النقص من خلال أتمتة بعض المهام المتكررة: تحليل السجلات، واكتشاف الأنماط غير الطبيعية، وتحديد أولويات الحوادث. ولكن بدون المهارات اللازمة لتحديد استخداماته وتفسير النتائج، يبقى الكسب محدودًا.
ضغط منهجي متزايد
تعكس الأرقام شدة جديدة للمخاطر: 58% من الشركات التي شملها الاستطلاع تُصنّف الجرائم الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على رأس قائمة مخاوفها.
لا يُفسّر هذا الخطر فقط بالقدرات التقنية للمهاجمين، بل يزدهر أيضًا في بيئة مُجزّأة بشكل متزايد: انتشار الأجهزة المتصلة، وتزايد العمل عن بُعد وتهجين النماذج، والاعتماد المتزايد على مُزوّدي الخدمات الخارجيين. تُؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى توسيع نطاق الهجوم الذي تصعب السيطرة عليه من البداية إلى النهاية.
تضيف تيلر "يُتيح الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة لتعزيز الأمن السيبراني، لكن قيمته الحقيقية تعتمد على كيفية تطبيقه. إنه أداة فعّالة، لا تُحقّق كامل تأثيرها إلا إذا استندت إلى ثلاث ركائز أساسية: التكنولوجيا، والشفافية، والخبرة البشرية. بدون هذا المزيج، لا قيمة مضافة مستدامة".
مصطفى أوفى (أبوظبي)