فاطمة عطفة (أبوظبي)
في قراءة القصيدة أو سماعها نشعر بجماليات الصور الشعرية، تماماً كما نشعر بذات الجماليات عند مشاهدة معرض تشكيلي، وذلك لأن كل صورة لها دلالتها الفنية والجمالية، سواء في الشعر أو التشكيل، وإن اختلفت الأداة بين كلمات الشعر وخطوط اللوحة وألوانها، وإن جمع بينهما الخيال. الشاعر يبدع لوحته الشعرية بالكلمات، «الرسم بالكلمات» كما قال الشاعر نزار قباني، والفنان يبدع لوحته التشكيلية بخطوط وألوان تمنح المشاهد دلالات وإيحاءات شعرية جميلة.
وفي هذا المقام، تؤكد الفنانة التشكيلية خلود الجابري على الإحساس المشترك بالجمال بين الرؤية الشعرية واللوحة التشكيلية، وتقول إن لها تجربة بهذا الخصوص عندما عملت على «ديوان الأميرة» للشاعر سالم بوجمهور، مبينة أن فن التشكيل مرتبط جداً بالكلمة من خلال الصور الفنية التي يشكلها الخيال الذي يستوحي كلمات القصيدة في تشكيل اللوحة برؤية شاعرية، حيث يشترك الشاعر والفنان في عملية الخيال، الشاعر يكتب الكلمات والفنان يلتقط بخياله الصورة المجازية ويحولها إلى لوحة فنية.
وتشير الجابري إلى أن بعضهم يرسم لوحات واقعية، وبعضهم يحول الشعر إلى حالة فنية تعبر عن جمالية الحالة، التي تشكلها كلمات الشاعر بصورة خيالية فنية وسريالية. وأضافت الجابري موضحة أن الفنان عندما يرسم يكون في حالة شعرية لأن الفنون تستوحي الواقع والخيال، وإن اختلفت الأدوات، وهذه الحالة الشعرية في الرسم تتضمن كثيراً من الخيال والجدية في العمل الذي يحمل نوعاً من التجربة الفنية والصدق، كما يغْني الشاعر فكرة القصيدة بصور مجازية تعتمد على الخيال في الاشتغال على موضوعه الجديد بحيث يأتي بصور تشكيلية، وهذا يؤدي إلى تجارب مشتركة بين فنان وشاعر.
أما عن دور الألوان في مثل هذه الحالة، فتؤكد الجابري على أهمية الألوان في تعميق الدلالة الفنية والجمالية المشتركة بين القصيدة واللوحة. وهذه الأعمال تغتني بالتجربة وهي ليست فنوناً واقعية بحتة. وتضيف: في البدايات استطعت أن أحول الكلمات إلى أشكال فنية في اللوحة، خاصة أن المرأة في البدايات لم تكن تستطيع التعبير عن الأشياء التي تؤمن بها، ولذلك يمكن التعبير بالرسم مثلاً بالمدرسة السريالية التي كنت قد تميزت بها في تلك الفترة، فاللوحة قادرة على أن تعبر عن المشاعر أكثر من الكلمات.
وعن سؤال حول الومضة أو القصيدة الطويلة وأيهما أكثر تعبيراً في الرسم، ترى الجابري أن هذا يعتمد على قوة الخيال والنص المقدم للفنان، وأضافت: أنا مسرورة جداً بأني خضت هذه التجربة، وقد فتحت لي أسلوباً مختلفاً عما كنت أتبعه من قبل، وكأني كنت أعمل بحثاً فيه كثير من التحدي، والرسم يعطي الفنان قوة تنتج عنها أعمال مميزة وعالية في التعبير.
الاستعارة الفنية
وبدورها، أكدت الفنانة التشكيلية كريمة الشوملي أهمية التقارب بين الشعر والتشكيل في التجربة الإبداعية، وتقول: هناك ارتباط بين الشعر والتشكيل، فبعض الفنانين يستلهمون أعمالهم التشكيلية من الشعر، حيث الاستعارة الفنية والصور الجميلة في الشعر، وبالعكس هناك بعض الشعراء يستلهمون من اللوحة الفنية، كما يستلهمون من الطبيعة نبضات شعرية في إبداع قصائدهم، وخاصة أن اللوحة سواء بألوانها أو حتى بضربات الفرشاة الموجودة فيها تثير مشاعر جميلة في نفس المتلقي، وهناك تجارب عديدة بهذه الفنون.
وتابعت قائلة: إن لكل فنان أسلوبه الخاص ويستطيع أن يعبر عن حالة شعرية بصور فنية حسب الرؤية التي تصله من قراءة قصيدة أو من تأمل منظر طبيعي، ثم يضيف من عالمه الفني وخياله ما يخطر له، سواء بحركة الريشة أو تداخل الألوان والفضاء الفني الذي يتخلل العمل ويترك تأثيره الجمالي في نفس المشاهد. وأيضاً الشاعر حينما يحضر معرضاً فنياً ويرى عملاً فنياً يقف عنده أو يشده، يمكن أن يستوحي منه صورة شعرية من خلال فكرة اللوحة، ولذلك نرى تقارباً في فنون الإبداع بين الشعر والتشكيل.