الدراما فكرة ورسالة وهدف ومضمون ومحتوى.. يمثل انعكاساً لواقع البيئة التي يعيش فيها الإنسان وتراكمات حياته وممارساته وظروف محيطه وما يدور حوله من أحداث وقضايا. وفن الدراما نوع من ردة الفعل لسلوك المتلقي، أو هي المرآة العاكسة للفرد وطرائق تصرفه، وهي نص أو تعبير أدبي صادق يعكس الحالة القائمة من خلال أسلوب سلس وراق ومؤثر، يدهش المتلقي بعد أن يتقمص شخصيتَه محاكياً الواقع ومستبطناً آمال الناس فيه.
ويتم اختيار نص القصة ومن ثم بطلها، لتثير قضيةً أو قضايا اجتماعية ذات صلة بالواقع المألوف بغية تحفيز الوعي وتمكينه من إدراك ومعرفة ما يدور حوله من أحداث وقصص وظروف، أي من اصطياد الفكرة المبهرة والبناء عليها وصياغتها بشكل يجعل المتلقي يستفيد منها ويستمتع بما تعرضه إذا كانت دراما جادة تحمل رسالةً هادفةً وبناءً فنياً رصيناً فيه فكرة وبراعة تستند إلى سيناريو قوي وحوار مثير ومفهوم ومؤثر.. أي كل ما يكشفه النصُّ وينبني عليه العمل الدرامي في مجمله، قبل أن يصل المتلقي فيتفاعل معه ويستلهم منه الأفكار الجديدة.
ولعل معظم ما عُرض من دراما وبرامج على الشاشات خلال شهر رمضان المنصرم، كان عبارةً عن استعراض وحشو جاء بمستوى تحت المتوسط، مما جعل المشاهِدَ يفقد الثقةَ بهذه البرامج المكررة الخالية من الحس الفكاهي، بل ربما أصبح يراها على أنها مَضيعة للوقت، وذلك أساساً لافتقارها إلى مضمون أو محتوى ذي قيمة كبيرة.
وقد واجه كثير من الأعمال الدرامية الرمضانية فتوراً من قبل المشاهد، حيث كثُر فيها اجترار الفكرة وسادها الطرحُ الثقيل والباهت والمتكلَّف والمستفز أحياناً، كما حاول بعضُها تمريرَ أفكار ساذجة حول الأسرة الخليجية.. وكل ذلك بسبب فقدان النص الجيد المقنع والجاذب.
وكانت بعض القنوات تعرض أعمالاً فقط من أجل كسب الإعلان والربح السريع، على حساب المشاهد وذائقته، وربما بعض الفضائيات هذا العام استطاعت أن تخدع المعلن والمشاهِد معاً، بأعمال فنية باهتة المحتوى ضعيفة الطرح، وقد جاءت هذه الأعمال كما لو أنها فقط لملء مساحة من الوقت، بل وصل الأمر ببعض الفضائيات أن عرضت أعمالَ تهريج وتسطيح لعقل المتلقي، وكأن لسان حالها يقول: لقد أوقعتكم في الفخ من خلال هذه «الفلاشات»، أنتم المشاهدون ومعكم المعلنون. ولا نعلم هل المتلقي، في عقليته وثقافته وذوقه، قد تجاوز محتوى هذه الأعمال أم هو أصلاً غير مهتم إلى الدرجة التي جعلت القائمين على هذه البرامج يعرضونها متجاهلين ذوقَ المشاهد وعقليته؟ وهل النصوص المتميزة قلَّت وأصبحت غير متوافرة في هذه الأعمال الفنية؟ 

أياً يكن السبب، فمن الملاحظ أن بعض الفضائيات ملأت الفراغات ببرامج المسابقات المكررة لعدم وجود برامج جادة فيها جهدٌ وفكرٌ وإبداعٌ يليق بالمناسبة، أي شهر الصيام حيث ينتظر المشاهد من الفضائيات أن تقدم خلاله عملا فنياً محترماً وجاذباً ويستحق المشاهدة.. لكنها على ما يبدو أضحت تميل للهروب من الواقع!

*كاتب سعودي