لن تطوى صفحة عبدالمجيد الزنداني بوفاته كما لم تطو صفحات من سبقوه من أعضاء جماعة «الإخوان» من حسن البنا مروراً بسيد قطب والقرضاوي وحسن الترابي وغيرهم ممن تركوا إرثاً هدّاماً ، فلا مناص من أن يكون لدى الدول الوطنية العربية الشجاعة في أن تتقدم خطوات حقيقية في تجديد الخطاب الديني، فلا معالجة موضوعية لإرث المتطرفين وما تركوه من أفكار أيديولوجية متعصبة بغير مواجهتها في عمق كينونتها، هذا التحدي الذي يجب أن تندفع عليه الدول الوطنية دون اعتبارات نسجتها الجماعات الدينية بكل تفرعاتها لتحميّ وجودها لأن وجودها مرتبط بأن لا يقترب أحد من تجديد الخطاب الديني.

الزنداني ليس بالحالة الخاصة فهو من الذين انتهزوا حقبة «الصحوة الإسلامية» وركب موجتها، وإن كان قد لعب أدوراً متقدمة من بعد عودته من أفغانستان فهناك وتحت جبال قندهار وفي كهوف تورا بورا كانت معامل إنتاج التعصب الديني، الأهم حدث في الخرطوم 1991 فلقد شارك الزنداني برفقة سلمان العودة وخالد مشعل وأسامة بن لادن وعماد مغنيّه وحكمتيار ومئات في المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، هناك كانت نقطة التحوّل الأهم في مسيرته فهو الذي كان يقدم نفسه كداعية ومتخصص في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم غير أنه وجد في ذلك المؤتمر أن يقدم لجماعة «الإخوان» ذراعاً عسكرياً في العالم العربي. في العام 1993 بدأ الزنداني بقيادة مجموعة في مهمة نقل عناصر الأفغان العرب عبر السودان كمحطة عبور فلقد كانوا يقاتلون في البوسنة والهرسك والصومال ويتعين عليهم الوصول إلى المحطة الأخيرة في اليمن التي كانت تشهد توتراً سياسياً بين «الحزب الاشتراكي» و«المؤتمر الشعبي العام» شركاء الوحدة.

ومع نشوب حرب صيف 1994 نجح الزنداني في إتمام صفقة مع الرئيس علي عبدالله صالح ليستعين بالأفغان العرب في مواجهة الجنوبيين ويقوم الزنداني بإصدار فتواه التكفيرية مع عبدالوهاب الديلمي، وكانت هذه الفتاوى الغطاء الشرعيّ الذي بموجبه حشد اليمن قواته الشعبية لخوض ما اعتقدوه أنها الحرب المقدسة ضد الشيوعيين الماركسيين الجنوبيين.اشتهرت عن الزنداني جملة «على الجنوبيين تسليم أنفسهم إلى أقرب مسجد»، في إشارة إلى كونهم ملحدين كافرين ويتعين عليهم الدخول في الإسلام ليسلموا من القتل، هذه الجريمة وقعت وسجلاتها موجودة والفتاوى التكفيرية ثابتة وقد ردّ عليها في حينها من الأزهر الشريف وأعضاء من هيئة كبار العلماء في السعودية، ومع ذلك فإن فرض الأمر الواقع على الجنوب أعطى للزنداني وجماعة «الإخوان» في اليمن الفرصة الكاملة بإنجاز مهمة تأسيس تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب» لينفذ أول عملياته الإرهابية في العاصمة السعودية الرياض باستهداف معسكر للقوات الأميركية عام 1995.

تنظيم «القاعدة» توسعت أنشطته مع فتح معسكرات التدريب في المحافظات الجنوبية المحتلة، وتوسعت نطاقات التدريبات مع تدفق العناصر الإرهابية، ولم يغب دور الزنداني حتى فيما بعد سيطرة تنظيم «القاعدة» على المكلا و«أنصار الشريعة» على محافظة أبين بعد انطلاق «عاصفة الحزم»، فلقد أوجد مظلة واسعة من الحماية الإعلامية والدينية لتلك الجماعات حتى انهزمت بالعمليات الأمنية والعسكرية، التي دعمتها دولة الإمارات ضمن مكافحة الإرهاب. السجل الطويل والممتد لخزعبلات عبدالمجيد الزنداني يرمي بالمسؤولية مع رحيله لتأكيد أهمية الدفع بالدول الوطنية للتخلص من إرثه المتطرف، فهو واحد من مجموعة صنعت الخرافة ووزعت الجهل على الشعوب وإذا كانوا قد نسجوا شباكاً من التخويف حول تجديد الخطاب الديني عبر عقود من الزمن فلقد آن الوقت أن يتم تحطيم المخاوف فما هي غير خزعبلات ليس لها من وجود.

*كاتب يمني