بعد أكثر من نصف قرنٍ من الجدل والنزاع، حسمت الأمم المتحدة موقفها التاريخي بإقرار مغربية الصحراء، معتبرةً أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدّمتها المملكة المغربية هي الحلّ الواقعي والنهائي لإنهاء هذا الملف الذي طال أمده. قرار مجلس الأمن الأخير لم يكن مجرد خطوةٍ عابرة، بل تحوّلاً استراتيجياً يعكس قناعة المجتمع الدولي بأن مقاربة المغرب هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق لضمان الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ومنذ انسحاب إسبانيا عام 1975، ظلّت الصحراء قضيةً إقليميةً معقّدة، تتداخل فيها المصالح والحسابات السياسية. وبينما تمسّك المغرب بوحدته الترابية وسعى إلى تسويةٍ تقوم على الواقعية، تمسّكت أطراف أخرى بشعاراتٍ تجاوزها الزمن.
ومع تعاقب السنوات، أثبتت التجربة أن الرؤية المغربية القائمة على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية هي المسار الوحيد الممكن لإنهاء هذا النزاع بطريقة تحفظ كرامة الجميع. القرار الأممي الأخير جاء تتويجاً لمسارٍ طويل من العمل الهادئ الذي قاده جلالة الملك محمد السادس، بإستراتيجيةٍ تقوم على الإقناع لا التصعيد، وعلى التنمية بدل المواجهة.
فقد تحوّلت مدن العيون والداخلة والسمارة إلى نماذج حقيقية للنمو والاستقرار، بينما نجح المغرب في كسب دعم دولٍ كبرى أصبحت ترى في مبادرته أساساً عملياً لحلٍّ دائم. وهذا التحوّل يعكس أيضاً نهاية مرحلةٍ من المراوحة السياسية، وبداية مرحلةٍ جديدة تُعاد فيها صياغة المفاهيم داخل الأمم المتحدة نفسها. فالمجتمع الدولي بات يدرك أن الواقعية السياسية هي السبيل إلى السلام، وأن حقّ تقرير المصير لا يعني بالضرورة تفكيك الدول، بل يمكن أن يتحقق ضمن سيادةٍ وطنيةٍ تحمي الحقوق وتضمن التنمية.
إن إقرار مجلس الأمن بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يُعدّ انتصاراً للدبلوماسية الهادئة وللرؤية المتزنة التي اختارها المغرب منذ سنوات. كما يضع الأطراف الأخرى أمام مسؤولياتٍ جديدة، فإما القبول بالحوار في إطار هذا الواقع الجديد، أو البقاء خارج حركة التاريخ التي تمضي نحو الاستقرار.
لقد أثبت المغرب أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بالسلاح، بل بالعقل، وبالإصرار، وبالقدرة على كسب احترام العالم. واليوم، وقد أصبح موقف الأمم المتحدة واضحاً، فإن ما كان حلماً بالأمس صار حقيقةً سياسيةً راسخة، تُكرّس مغربية الصحراء كأمرٍ واقع لا رجعة فيه. ما تحقق ليس نهاية الطريق، بل بداية عهدٍ جديد من البناء والتنمية والتكامل، يُعيد للأقاليم الجنوبية مكانتها الطبيعية داخل وطنها، ويفتح أمامها آفاقاً واسعة للمستقبل. فالوطن الذي صبر، وثبت، ودافع بالحكمة والحق، يستحق أن يجني اليوم ثمرة نضاله الطويل.
*لواء ركن طيار متقاعد.


