لا شغل يشغل بعض الكتاب والمفكرين والمحللين العرب هذه الأيام، سوى الحديث عن التغييرات التي تشهدها الأوساط السياسية والاجتماعية في الوطن العربي.. وهي في كل الأحوال تغييرات تحدث على استحياء ومن أجل ذر الرماد في العيون ليس إلا.. ولكن هؤلاء البعض من الكتاب المطبلين والمزمرين، يعزون تلك التغييرات إلى أنها رغبة داخلية فرضتها ظروف خارجية، وهذا تفسير يذكرني بمن "فسّر الماء بعد الجهد بالماء!!"..
ولا شك أن العالم العربي شهد تغييرات ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، ولكي نكون أكثر دقة نقول إنها "دعوات للتغيير"، أكثر من إحداث التغيير ذاته.. ولكنها كلها لعمري تحركات ما كانت لتحدث لولا الضغوط الخارجية، وتحديدا الضغوط الأميركية على أغلب الأنظمة العربية وأنظمة العالم الثالث المتخلفة.. فالتغيير، أو حتى الدعوة إلى التغيير، جاء نتيجة لضغوط خارجية.. وبالعربي الفصيح هي تغييرات أجبرت الأنظمة والمجتمعات العربية عليها إجباراً، ولم تحدث لأنها نابعة من رغبة داخلية كما يتوهم البعض ممن اعتادوا على التطبيل والتزمير.
ولا حديث للأبواق العربية هذه الأيام سوى الزعم بأن المجتمعات العربية، أو تحديدا الأوساط السياسية العربية، تستجيب لرغبات الشعوب، أي أنها دعوات وتغييرات نابعة من الداخل، وليست مفروضة على العرب.. وهذه تفسيرات طفولية بعيدة عن الواقع والحقيقة..
فالحقيقة أنه لولا الضغوط الغربية ولولا إجبار الولايات المتحدة الأميركية الأنظمة العربية على القيام بتلك الخطوات، ولولا الطلب الأميركي، بالتهديد تارة وبالترهيب تارة ثانية وبالترغيب تارة أخرى، لما تنازلت تلك الأنظمة التي تشهد هذه الأيام "نوعا من التغيير" إن صح التعبير وقبلت به.. ذلك لأن العالم العربي في غالبيته هو في الحقيقة كالمراهق، لا يرتدع إلى إذا ضرب كفاً على قفاه.
"التغيير نابع من الداخل" نكتة أطلقها بعض المحسوبين على الفكر العربي.. وهي نكتة الموسم، لن تنطلي على العقلاء وعلى أصحاب الفكر المستنير.. يستسلم نظام شمولي للغرب بين عشية وضحاها ويسلم مفاتيح وأسرار أسلحة الدمار الشامل للغرب، ثم يقول المطبلون إنه تغيير من الداخل!!.. ويستسلم نظام شمولي آخر فيقرر الانسحاب من دولة مجاورة بعد 30 سنة من الاحتلال البغيض ويقول المطبلون إنه تغيير من الداخل!.. يستسلم نظام ثالث للغرب ويقرر إجراء انتخابات رئاسية حرة بمشاركة أكثر من مرشح رئاسي، ويقول المطبلون إنه تغيير من الداخل.. وتستسلم أنظمة أخرى لتقرر مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية وإحداث تغيير شامل في المناهج الدراسية بعيداً عن المناهج التي فرضها علينا المتزمتون والتكفيريون والمتطرفون من "إخوان الشياطين"، وتقبل بمنح المرأة حقوقها بدءا من السماح لها بقيادة السيارة وانتهاء بحصولها على منصب وزيرة، وما زال المطبلون يقولون إنها تغييرات من الداخل..
بالله عليكم أيها "المفكرون"، هل كانت تلك الأنظمة العربية التي بدأت بإحداث تلك التغييرات، تقبل بمثل هذه التنازلات، أو تقبل بمجرد الحديث عن أي تغيير سياسي أو اجتماعي، لو لم تتبع أميركا سياسة "الضرب على القفا"؟..
الأبواق المطبلة والمزمرة من المفكرين والكتاب والمحللين العرب الذين يربطون التغييرات التي تحدث في الوطن العربي بالضرورة أو بأنها نابعة منّا وليست مفروضة علينا، ما زالت تعيش حلما "ثورجيا" يعود إلى القرون الوسطى وإلى عصر الشعارات الجوفاء.. فالسياسة العربية لا ينفع معها سوى "الضرب على القفا..".