الوعي وهندسة السلوك
في السلوك هناك علاقة بين طبقتي الوعي واللاوعي عند البشر، وتعملان بتنسيق متصل، وكما يحدث في الوشيعة الكهربية من تحويل الطاقة الكهربية من 110 إلى 220 فولت، كذلك يمكن الانتقال من الوعي إلى اللاوعي، ولكن «التردد الكهربي» داخلنا هو عادة في فولتاج «الوعي- اللاوعي» وليس العكس. بمعنى أن الأفكار تمشي أولاً إلى الوعي -باستثناء الأطفال والعوام التي قد تمرّ الأفكار مباشرةً إلى اللاوعي عندهم كما في تشكل السلوك بالتقليد، حتى إذا تخمرت تشربها اللاوعي وانفصلت عن الوعي، فأصبحت في اللاوعي «خبرة»، و«تحرّر» الوعي لاستقبال أفكار جديدة، وهي في حالة سيولة متصلة. فإذا زاد ترسخ الأفكار في اللاوعي تشكلت «العواطف» فأفرزت «السلوك»، فالأخلاق في النهاية هي المحصلة الأخيرة والتعبير الصادق لعمق الأفكار واتساعها ورسوخها في النفس.
ومما ينقل عن غاندي: انتبه لأفكارك فهي غداً أقوال. وتنبه لأقوالك لأنها ستتحول إلى أفعال، وانتبه لأفعالك لأنها ستتحول إلى عادات وسلوك، وانتبه لعاداتك فهي دليل شخصيتك. وانتبه لدليل سلوكك فهو مصيرك، بكلمة أخرى.
وإذا كنا من أجل «أجهزة» معينة نضطر لتحويل السيولة الكهربية بشكل معاكس من 110 فولتات إلى 220 فولتا، كذلك يمكن نقل سيولة «اللاوعي» إلى «الوعي»، وهو ما يفعله المحللون النفسيون أحياناً، فإذا ظهرت تلك السلبيات المختبئة من دون «أكسجين عقلي» إلى الضوء والهواء الطلق تعافى الإنسان وكأنه نشط من معيق.
ويمكن قراءة مثل هذا البحث الشيق عند عالم النفس «هادفيلد» في كتابه «تحليل النفس والخلق»، فهو يرى أن أعظم لحظات الإنسان تجلياً تكمن في اعتناقه ديناً أو فك عقدة نفسية.
وهذا إن دلّ على شيء فهو يفيد بمدى قدرتنا على تشكيل سلوك الإنسان، وتحول الأخلاق إلى مجال دراسة للعلم. وهذه هي بعض مفاتيح تغيير الإنسان، وعندما نستطيع تغيير سلوك الإنسان نحو الأحسن والأكثر إيجابية يمكن أن نمسك بمقود التاريخ.
تقول الأسطورة إن عملاقاً أرسل كتاب تحية إلى عملاق منافس في أرض مجاورة، فلما تسلم الثاني الخطاب مزق الرسالة وشتم الأول، فهرع إليه لينتقم منه، والأرض تهتزّ من تحت أقدامه، فلما سمع الثاني وقع الأقدام أصيب بالرعب، فهدّأته زوجته، ونصحته بالاستخفاء والاختباء كي تتولى الأمر هي بآلية «الأفكار» لا بآلية العضلات، وغطته باللحاف باستثناء قدميه الضخمتين، فلما اقترب العملاق الغاضب المزمجر، وصاح أين الوقح الذي تعرض لي؟ اعتذرت المرأة عن عدم وجود زوجها، ورجته ألا يرفع صوته حتى لا يوقظ «ابنها النائم»، فلما أبصر العملاق الغاضب قدمي العملاق النائم، فرأى الأقدام الفظيعة البارزة، قال في نفسه: إن كان هذا ابنه الصغير، فكم يكون الأب، فأصيب بالرعب وولّى الأدبار!