قليلون من لم يحبوا قصص وأفلام دراكولا المرعبة، منذ أن ظهرت رواية الرعب «دراكولا» القوطية، باللغة الإنجليزية للكاتب الأيرلندي «برام ستوكر»، والتي نُشرت عام 1897، في تلك الرواية، التي تبدأ أحداثها بخروج «الكونت دراكولا» وتجربة الانتقال من «ترانسيلفانيا» في رومانيا إلى إنجلترا، كانت فرحة السينما فيما بعد بهذه الرواية وسلسلاتها كبيرة، والاحتفاء باقتباسها وتحويلها للسينما عُد فتحاً جديداً وسوقاً مربحة، ظهر أول فيلم ناطق عن دراكولا عام 1931، والذي اشتهر كثيراً، وحظي بمشاهدة عالية لكن سبق هذا الإنتاج الأميركي فيلم ألماني صامت، أنتج عام 1922 بعنوان «نوسفراتو» (Nosferatu) لكن لم يعترف به لأنه لم يشتر حقوق الملكية الفكرية للرواية، نفس هذا الفيلم بالعنوان ذاته تمت إعادة إنتاجه السنة الفارطة 2024 وهو من تأليف وإخراج «روبرت إغرز»، وضم ممثلين كباراً.
أما أولى مشاهداتي السينمائية لأفلام دراكولا فكانت في أبوظبي في سينما الخضراء، وهي أول سينما مغطاة، وتعرض أفلامها ظهراً ومساء، بينها وبين سينما المارية المكشوفة، والتي تعرض مساء فقط في شارع مازال حتى اليوم فيما بقيت سينما المارية بعدما أصبحت مغطاة، واندثرت سينما الخضراء. كنت صغيراً لا أتعدى الخامسة عشرة، تسللت لوحدي بعد الظهر إلى قاعتها الباردة بعدما جفل بعض أصدقائي، ورفض البعض الآخر الدخول، كانت بالنسبة لي تجربة مدهشة، وانبهاراً غير عادي رغم ما انتابني من خوف طوال الفيلم بأجوائه الرمادية، وزمان كان دراكولا البدلة السوداء الطويلة وقبعة لنكولن وعصا سحرية ووجهاً شاحباً، ويخرج دوماً متأنقاً حتى لو ظهر من التابوت، مع أصوات الغربان وطيران الخفافيش، وإظهار النابين وقت وقوع الفريسة أو حَزّة عطشه وشهوته للالتهام.
خرجت من ذاك الفيلم الذي عرض لأول مرة خائفاً أترقب، وكنت أتمنى لو يخلص الفيلم بسرعة حينها، لأنني لم أستطع أن أجاري أحداثه أو أظل مشدوهاً لمشاهده، فهذا الفيلم يختلف عن الفيلم الهندي في سينما المارية أو الفيلم الإيراني في سينما الفردوس، خرجت متمنياً أن لا يظهر لي في الليل شيء من تلك الكائنات الخرافية، ولا أحلم بها في منامي، ولما أصبحت الصبح، ولا شيء من ذاك قد حدث، ظللت أقص على رفاق المدرسة القصة وأزيد وأعيد من عندي، خاصة حين أرى أحدهم وهو «يورط أو تفاحة أدم لا تستقر في مصرطه».
هذا الأسبوع يعرض فيلم جديد عن «دراكولا.. وحكاية حب» وهو فيلم من إنتاج فرنسي، وإن كان ناطقاً بالإنجليزية، فيه نخبة من الممثلين البارعين، حيث طوال الفيلم تجد التباري في الأداء، مع تقنيات سينمائية عالية وتصوير مدهش وحوار راق. ميزانية إنتاجه في حدود 52 مليون دولار، كتابة السيناريو والإخراج لـ«لوك بيسون». لا شك في أن أفلام الرعب ودراكولا بالذات تطورت كثيراً، وأصبحت تقدم بُعداً مختلفاً في قراءة الشر، ولعل الممثل البريطاني «السير كريستوفر لي» هو من أعظم الممثلين الذين أدّوا شخصية دراكولا.


