سعيد ياسين (القاهرة)
رغم مرور 44 عاماً على رحيل العندليب عبدالحليم حافظ في 30 مارس 1977، فإن أغنياته لا تزال الأكثر تعبيراً عن المشاعر، وتحن إليها القلوب، ويعتبره المحبون سفير الرومانسية بلا منازع، خاصة في ظل الابتذال والسطحية التي تمر بها الساحة الغنائية.
240 أغنية
ويعد حليم من أهم المطربين العرب في القرن العشرين، ولد في 21 يونيو 1929، وقدم أكثر من 240 أغنية، منها «حبيب حياتي»، و«حبك نار»، و«فوق الشوك»، و«لو كنت يوم أنساك»، و«جانا الهوا»، و«جبار»، و«سواح»، و«حاول تفتكرني»، و«حبيبتي من تكون؟»، و«أي دمعة حزن لا»، و«قارئة الفنجان» وغيرها.
وتعاون مع أبرز الملحنين والشعراء، وقام ببطولة 16 فيلماً، منها «لحن الوفاء»، و«معبودة الجماهير»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، و«الوسادة الخالية»، و«أبي فوق الشجرة»، وتوفي في 30 مارس 1977 عن عمر يناهز 48 عاماً.
سر البقاء
بداية، يؤكد الموسيقار هاني مهنى لـ«الاتحاد»، أن سر بقاء رومانسية العندليب حتى الآن، والتي جعلته أهم مطرب في التعبير عن الأحاسيس، هو صدقه وإخلاصه لفنه، واختياراته الدقيقة للكلمة واللحن، حتى ذاب فيها أداءً كما ذابت فيه لحناً وكلمة، وشق لنفسه طريقاً رغم وجود العديد من أصحاب الأصوات القوية الجميلة المحببة.
وأشار مهنى إلى أن أغنيات عبدالحليم لا تزال هي المتحدث الرسمي عن الحب بمفهومه الراقي، والملاذ الآمن للمحبين من ضوضاء الشتائم وألفاظ السباب والإيحاءات الخارجة، التي أصبحت سمة غالبة على أغنيات اليوم.
وأكد هاني أن حليم كان ظاهرة عبقرية، يؤسس للقيمة من خلال الكلمة أو اللحن.
تمرد
وقال الباحث والناقد الموسيقي محمد عبدالله مطاوع: إننا لا نزال نعيش على أغاني حليم، الذي ظهرت بعده موجات غنائية لا علاقة لها بالرومانسية، كلمةً ولحناً وأداءً. مشيراً إلى أنه كان معبراً عن المشاعر من خلال فرسان الكلمة من الشعراء، أمثال كامل ومأمون الشناوي، ومرسي جميل عزيز، وحسين السيد، ومحمد حمزة، ومحمد علي أحمد، ونزار قباني. ولفت إلى أن حافظ كان متمرداً، فيقدم الأغنية الشعبية في نفس مستوى الرومانسية، ثم يقدم موشحاً، ويخرج منه ليقدم قصيدة، وكل ذلك من أجل الارتفاع بمستوى الرومانسية.
عصر الأحلام
وأوضح جمال عبدالحميد مخرج مسلسل «العندليب» الذي تناول قصة حياته، بطولة شادي شامل العام 2006، أن حليم كان عصراً رومانسياً، الحب فيه شيء مهم، وزمن الأحلام الكبرى، فسمعنا أغنياته الوطنية بنفس كثافة أغنياته العاطفية.
أحاسيس
وأرجع الموسيقار منير الوسيمي سر بقاء رومانسية حليم إلى الآن، إلى الصدق الذي كان يتميز به، فهو يمثل فترة حقيقية من الشعور الوطني والقومي والشعبي، لذلك هو حقيقة، ولا يزال يمثل نبض الشارع والشباب العربي، مستنداً إلى العديد من العوامل، من أبرزها تعاونه مع مجموعة من العباقرة في الكلمة واللحن. وأكد الوسيمي أن نجاح حليم يعود إلى أنه كان صادقاً وحقيقياً، فالأحاسيس لا تتوقف عند اللغة أو الجنسية أو مرور الزمن، أما الرومانسية في عصرنا فقد تحولت إلى المادية.
مرآة للجمال
وقال الموسيقار الموجي الصغير، إنه كانت هناك مساحة للاستماع والاستمتاع والتأمل في عصر حليم، وكل من حوله من المطربين الآخرين كبار، يقدمون فناً راقياً يليق بأن يكون مرآة لكل الباحثين عن المعاني والجمال.
بينما الآن أصبح هناك زحام شديد من الفضائيات والإنترنت والموبايلات والسوشيال ميديا التي حولت الغناء لمجرد رنات ووجبات استهلاكية. وأكد على أن حليم كان، وسيظل رمزاً للحب، فهو غنى للحب، والمواقف العاطفية التي تجمع بين أي حبيبين لها مدلول في أغنياته، وهذا ما جعل الشباب أكثر ارتباطاً به.
لغة راقية
ويرى الموسيقار محمد سلطان أن لغة العشاق في زمن حليم كانت أرقى وأجمل، من خلال معانٍ جميلة وكلمات بسيطة سهلة ومحترمة حملتها أغاني العشق والعشاق، عبرت عن بيئة وتراث مصري أصيل يحترم العلاقة العاطفية ويقدرها ويفرض عليها سياجاً من التقدير، فكانت الكلمات عذبة شفافة تخرج من القلب إلى القلب.