أثار أحدث انقلاب في سلسلة من انقلابات عسكرية في غرب أفريقيا مخاوف من نشوب صراع إقليمي أوسع نطاقاً، مع تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر ما لم تعد الحكومة المنتخبة للسلطة.

وأعلنت إيكواس في الأيام القليلة الماضية أنها مستعدة للقيام بعمل عسكري وأنها حددت «يوم نشر القوات» للتدخل في النيجر التي اعتقل فيها المجلس العسكري بقيادة الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو الماضي. وفشلت جهود الوساطة حتى الآن، ولم تف النيجر بالموعد النهائي الذي حددته إيكواس لإعادة بازوم إلى منصبه في غضون أسبوع، ورفضت إيكواس اقتراح المجلس العسكري بالعودة إلى الديمقراطية في غضون ثلاث سنوات. ومما يزيد الطين بلة حقيقة أن ثلاثة أعضاء آخرين من إيكواس المؤلفة من 15 عضواً علقت عضويتهم بسبب قيامهم بانقلابات عسكرية في السنوات القليلة الماضية. وأشارت هذه الدول - مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وجميعها مستعمرات فرنسية سابقة في منطقة الساحل - إلى أنها قد تقف إلى جانب الحكومة العسكرية في النيجر في حالة نشوب حرب.

ويشكل الوضع اختبارا كبيرا للإرادة السياسية والقدرة التنظيمية لإيكواس. ويأتي ذلك في وقت انحسر فيه نفوذ القوى الغربية الكبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة عن المنطقة، في حين تحالفت مجموعة فاجنر العسكرية الروسية مع بعض الحكومات. تأسست إيكواس بموجب معاهدة لاجوس عام 1975. وكان الغرض منها في البداية أن تكون وسيلة لتحفيز العلاقات الاقتصادية والنقدية، ثم وسعت نطاقها بشكل كبير ليشمل العمل الأمني والتنسيق العسكري.

وفي عام 1990، شكلت قوة لحفظ السلام لتبدأ بذلك تقليد التدخل المسلح في مشكلات الدول الأعضاء. وظلت عضوية إيكواس عموما ثابتة نسبيا على مر السنين. وفيما عدا انضمام الرأس الأخضر في عام 1977، كل أعضاء المجموعة الحاليين الخمسة عشر من المجموعة المؤسسة. ولم تخرج من المنظمة سوى دولة واحدة، وهي موريتانيا.

لكن سلسلة من الانقلابات خلال السنوات الأخيرة أدت إلى انقسامات عميقة في المجموعة. وشهدت كل من مالي وغينيا انقلابات في عام 2021. واستولى الجيش في بوركينا فاسو على السلطة في البلاد عام 2022. وآخر مرة تدخلت فيها إيكواس عسكرياً في دولة عضو كان في عام 2017 حين أرسلت قوات إلى جامبيا.

وذهب هناك سبعة آلاف جندي من غانا ونيجيريا والسنغال لإجبار الرئيس على نقل السلطة من الرئيس يحيى جامع، الذي طعن في نتائج الانتخابات، إلى أداما بارو، الزعيم المنتخب ديمقراطيا. واستسلم «جامع» في النهاية دون الحاجة إلى العنف. وقبل ذلك لعبت قوات إيكواس دور حفظ السلام في ليبيريا وسيراليون خلال التسعينيات. لكن إيكواس تعرضت لانتقادات بسبب عدم الاتساق في التدخلات.

فعلى الرغم من تدخلها في جامبيا في عام 2017، لم تتدخل عسكريا لاحقا حين شهدت مالي وغينيا وبوركينا فاسو انقلابات. بل ردت بتعليق عضوياتها وفرض عقوبات على الحكومات العسكرية. فما مدى قوة إيكواس العسكرية؟ ذكر عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في إيكواس، في الأيام القليلة الماضية إن جميع الأعضاء «غير الموقوفين» في إيكواس قالوا إنهم سيساهمون في التدخل العسكري في النيجر، باستثناء «الرأس الأخضر»، التي ليس لديها جيش رسمي. ومن حيث العدد، قد تشكل قوات إيكواس قوة هائلة.

ونيجيريا، الدولة الأكثر سكانا في المجموعة، هي أيضا الأكثر قدرة عسكريا مع ما يقدر بنحو 223 ألف جندي وميزانية عسكرية زادت عن ثلاثة مليارات دولار في عام 2022، وثالث أعلى ميزانية في أفريقيا كلها، بعد الجزائر ومصر. ومن حيث العدد والميزانية فحسب، بوسع إيكواس الهيمنة على جيش النيجر الأصغر حجما حتى لو قامت الحكومتان العسكريتان في مالي وبوركينا فاسو بدعم جيش النيجر، كما أشارتا إلى أنهما قد تفعلان ذلك.

وتعاني النيجر وهي دولة حبيسة أيضا من نقاط ضعف لوجستية كبيرة، فهي تستمد الكهرباء من نيجيريا، على سبيل المثال. لكن القوى الأضعف هزمت قوى أقوى عبر التاريخ. ومن المرجح أن يتطلب التدخل في النيجر قوة أكبر كثيرا من قوات إيكواس التي يبلغ قوامها خمسة آلاف جندي والتي شوهدت قبل ستة أعوام في جامبيا، الدولة الأصغر كثيرا من حيث الحجم وعدد السكان.

وتعاني دول كثيرة في إيكواس، منها نيجيريا، من مشكلات أمنية قد تجعل من الصعب إرسال جنود ومعدات إلى النيجر. وذكرت وكالة رويترز في العاصمة نيامي نهاية الأسبوع الماضي أن المجلس العسكري في النيجر شهد تدفقا من المتطوعين الذين يريدون الدفاع عن البلاد ضد أي غزو. وذكر تقرير لوكالة أسوشيتدبرس أن المجلس العسكري في النيجر هدد بقتل الرئيس المعتقل بازوم إذا حدث تدخل عسكري. وتجنب الاتحاد الأفريقي في تصريحاته مناقشة التدخل العسكري. ويبدو أن الكتلة المؤلفة من 55 دولة منقسمة حول هذه القضية، مما يثير تساؤلات حول شرعية تدخل إيكواس دون موافقة الاتحاد الأفريقي. وأعربت بعض الدول، مثل الجزائر، جارة النيجر، عن قلقها من احتمال أن يتمخض الصراع عن عواقب غير مقصودة.

وعبرت الإدارة الأميركية عن دعمها لـ«إيكواس»، لكنها أكدت أنها تفضل الدبلوماسية على التدخل العسكري. ويوجد نحو ألف جندي أميركي في النيجر كانوا يعملون في مهمة لمكافحة الإرهاب، وقد يؤدي الصراع في البلاد إلى تعريض هؤلاء الجنود لخطر الصراع.

وواصل المسؤولون الأميركيون زيارة النيجر، على الرغم من أن السفيرة الجديدة كاثلين فيتزجيبون لم تقدم أوراق اعتمادها رسميا حين زارت نيامي في الأيام القليلة الماضية. وطلبت الحكومة المخلوعة من فرنسا التي لا يزال لها نحو 1500 جندي في النيجر، التدخل لكنها رفضت، بحسب روايات مسؤولين سابقين. وقدمت الحكومة الفرنسية دعمها لتحرك إيكواس، لكنها تواجه موجة من المشاعر المعادية على امتداد منطقة الساحل. وفي الوقت نفسه، حذرت روسيا من العمل العسكري، مشيرة إلى احتمال أن يؤدي إلى «زعزعة شديدة للاستقرار» في منطقة الساحل الأوسع.

*صحفي متخصص في الشؤون الخارجية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»