أطلق المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تصريحاتٍ جديدةً تؤكد أن الإدارة الأميركية تعيد النظر في رؤيتها للحل في قطاع غزة، وأنها ستعمل على استراتيجية الحزمة الواحدة، في إشارة لفشل الحلول الجزئية التي كانت مطروحة طوال الفترة الماضية للطرفين. ويتضح من تصريحات ويتكوف أن الإدارة الأميركية تيقنت بأن الحل الجزئي لن يؤدي إلا لفشل جديد مرتبط بمناورات الطرفين وعدم وجود الرغبة في حل نهائي.

وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فهي تسعى لنزع سلاح حركة «حماس»، وإخراج قياداتها من القطاع، والعمل على جزئيات أخرى متعلقة بتسليح بعض العشائر لتكون سلطة بديلة عن الحركة، إضافة لتقديم مقترحات أخرى تتعلق بإيجاد سلطة بديلة من قوات عربية أو دولية. وبالنسبة لـ«حماس» فالأمر مرتبط بهدف تكتيكي عند التعامل مع الدعوات لتركها حكمَ القطاع وبآخر استراتيجي يتصل بإعادة ترتيب أوراقها وحساباتها الخاصة، وهو ما اتضح من رفضها المقترحات الأمنية وخرائط الانسحاب وعدم تنفيذ أية متطلبات حقيقية على الأرض. وقد تتأثر توجهات الإدارة الأميركية بشأن الحل النهائي بالتخوف من سيطرة الموقف الدولي على إدارة المشهد الفلسطيني للمضي قدماً نحو «حل الدولتين»، وهو أمر تعاملت معه الإدارة بتجاهل وتنديد، رغم إدراكها أن الموقف الدولي بدأ في تحدي الموقف الأميركي، ما قد يدفع الإدارة للتحرك في سياق آخر والانتقال نحو الحل النهائي وليس المرحلي، ولو في مساحة ضيقة لا تتجاوز المطالبة بإصلاح السلطة الفلسطينية وتقوية مركزها وإعادة استئناف المساعدات التي جمدتها لبعض الوقت.

ويجب التذكير هنا بأن الإدارة الأميركية الحالية لم تصغ سوى مقترحات لوقف إطلاق النار دون أن تقدم رؤية شاملة على غرار ما قدم الرؤساء السابقون، مثل أوباما وكلينتون وبوش الابن، أما هذه الإدارة فلم تقدم سوى مشروع صفقة القرن في الولاية الأولى، وما قدمته في هذه الولاية حل جزئي للصراع عبر طرح مشروع الريفييرا للتهجير، ما يشير إلى أن كل المطروح أميركياً، في الوقت الراهن، يبقى في إطار الحل الجزئي وليس الحل الشامل على عكس المشروع الأوروبي الفرنسي الغربي الذي يتحرك في دوائر أوسع من المطالبة بخيار حل الدولتين وتنفيذه على الأرض.

وقد يكون موقف الإدارة بشأن حل نهائي في قطاع غزة مرتبطاً بتدوير السياسات الأميركية في القطاع وإغفال الأوضاع القائمة في الضفة الغربية، وفي ظل دعم كامل للحكومة الإسرائيلية وممارستها في ملفَي الاستيطان ومشروع الضم التي تخطط له خلال ما تبقّى من العام الحالي وفقاً لبرنامج مكونات الائتلاف الراهن. وفي إطار الخيارات الأميركية الجديدة، يجب الانتباه إلى أن إدارة ترامب لن تعمل بمفردها، أي لن تبادر بالحل أو تقديم الرؤية المفضية للحل النهائي، خاصة وأنها، كما هو واضح، تعمل في مساحة محددة من المعطيات الراسخة وفي ظل دعم كامل لموقف الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك احتمالية استئناف العمل العسكري واحتلال ما تبقى من مساحة القطاع (25%).

ومن ثم فالرهان على أن الإدارة ستعمل على تقديم طرح رهان جديد غير صحيح، إذ قد تلجأ إلى تدوير الخيارات المطروحة من قَبل، وستعتمد آليات مكررة ليس فيها جديد، وستترك التفاصيلَ للوسيطين المصري والقطري، في ظل التوتر الراهن بين مصر و«حماس». من المبكر أن نؤكد أن تصريحات المبعوث الأميركي تحمل توجهاً حقيقياً جديداً يمكن البناء عليه في الوقت الراهن، وأن ما يطرح قد يكون لجس نبض «حماس» في ملف نزع سلاحها، لا أكثر، وأن المناورة في إخراج المقاتلين من القطاع، وهو ما تتحسب له الحركة، التي حاولت أن تربط ذلك، في أحد بياناتها الأخيرة، بإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما لا ترفضه الإدارة الأميركية التي ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يتم بالتوافق الفلسطيني الإسرائيلي، وعبر مفاوضات، وليس بواسطة الأمم المتحدة.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية