إنها توصف الآن بأطول حرب استنزاف لإسرائيل. فإسرائيل وحركة «حماس» المسيطرة على قطاع غزة من 2007، تخوضان حرباً يتخللها تصعيد للعنف منذ أكثر من عشر سنوات حتى الآن. وفي ظرف 48 ساعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، كانت تقارير التلفزيون الإسرائيلي تنتقل من تحديث بخصوص وابل القذائف التي أرغمت عشرات الآلاف على الاحتماء داخل الملاجئ، إلى صور الدخان الأسود المتصاعد من غزة جراء عمليات القصف الإسرائيلية، إلى الإعلانات عن وقف إطلاق النار.
تفجر القتال، الذي يُعد الأعنف منذ حرب 2014 بين إسرائيل و«حماس»، خلّف مقتل 29 شخصاً، 25 في غزة (بينهم أطفال)، وأربعة مدنيين في إسرائيل.
وحتى قبل إعلان وقف إطلاق النار، وقبل أن يصبح من الأمان مغادرة الملاجئ، نُظمت الجنائز الأولى التي شاركت فيها حشود غفيرة من المشيعين.
«حتى الجولة المقبلة»، هكذا عنونت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية إحدى مقالاتها يوم الثلاثاء، ملخصةً على نحو صائب الشعورَ على الجانبين. فالهدوء بين غزة وإسرائيل سيكون مؤقتاً فقط. والكثيرون يلمحون إلى أن هذه الهدنة ربما ستكون قصيرة بشكل خاص. غير أنه وراء التصريحات المتشددة المتوعدة والشعور المخيم بالحتمية على الجانبين، هناك نزاع مستمر بين الجيش ومؤسسة الاستخبارات من جهة، والقيادة السياسية من جهة أخرى، بشأن كيفية وقف الهجمات الصاروخية من غزة.
ذلك أن مسؤولي الجيش الكبار أكدوا مراراً وتكراراً أن أفضل استراتيجية هي تخفيف الوضع على الأرض في غزة مع الإبقاء في الوقت نفسه على الردع العسكري. وهذا يعني، كما يقولون، الرد على نيران القذائف، لكن أيضاً التخفيف من الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة في 2007 والذي أصاب اقتصادها بالشلل وترك أهلها على شفا كارثة إنسانية. فإذا ظلت غزة تعاني، يقول المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، فكذلك سيحدث لإسرائيل.
غير أن مقاربة الجيش الإسرائيلي تقابَل بالرفض باستمرار من قبل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي يخشى شركاءُ ائتلافها أن ينظر الناخبون الإسرائيليون إلى أي تنازلات تقدَّم لـ«حماس» على أنها رضوخ للإرهاب. ويذكر هنا أن حكومة نتنياهو تعرضت لانتقادات شديدة بسبب مسارعتها لقبول وقف إطلاق النار الأخير.
لكن يوم الاثنين، انفجر إحباط الجيش من القادة السياسيين على نحو غير معهود وخرج للعلن. ففي إيجاز صحافي مع مراسلي الشؤون العسكرية الإسرائيلية، وجه مسؤول عسكري يشار إليه فقط بـ«مصدر أمني غير معرف» انتقادات للحكومة، قائلاً إن القتال يتجدد في غضون أيام إذا لم تقم إسرائيل بتخفيف الظروف في غزة بسرعة، داعياً إلى جهود دبلوماسية لتحقيق ذلك.
وقال مسؤولون عسكريون، في تصريحات تناقضت مع تعليقات للوزراء، إن الجيش تلقى أوامر بـ«تحقيق الأهداف الضرورية» قبل «يوم الاستقلال» الإسرائيلي، الذي حل الأربعاء، وقبل استضافة إسرائيل لمسابقة «يوروفيجن» الغنائية، التي تبدأ الأسبوع المقبل.
وفي الأثناء، خنق الحصار الإسرائيلي اقتصاد غزة، فالظروف في الشريط الرملي الضيق الذي يعيش فيه 2 مليون شخص صعبة جداً حيث يعاني الغزيون من نقص في الكهرباء والطعام والإمدادات الطبية.. ومن فقدان الأمل.
وعلى مدى العام الماضي، كانت هناك مسيرات أسبوعية إلى المنطقة الحدودية لمحتجين فلسطينيين يحاولون لفت الانتباه إلى أي حد باتت الحياة صعبة في الداخل. وقد قُتل عدد منهم بنيران القوات الإسرائيلية.
ومن وجهة نظر الجيش، فإن هذا الواقع يجب أن يتغير. ويقول شلومو بروم، وهو جنرال متقاعد شغل سابقاً منصب مدير التخطيط العسكري في الجيش: «أشعر بالإحباط لأننا في أسوأ وضع حيث هناك أشخاص في الحكومة لا يستطيعون تطبيق سياسات عقلانية لأسباب سياسية».
في الماضي، كنت ستجد صوتاً أو صوتين على الأقل داخل حكومة نتنياهو يعبّران عن دعمهما لتنمية اقتصادية، لكن ذلك لم يعد موجوداً الآن. ويقول محللون إن مقاربة نتنياهو تجاه غزة ينبغي أن يُنظر إليها في إطار استراتيجيته الأوسع لإجهاض «حل الدولتين». فهو لا يريد إنهاء حكم «حماس» في غزة، نظراً لأن ذلك يساعد إسرائيل على تجنب تدابير تحقيق السلام التي يمكن أن تطرح مخاطر سياسية وأمنية، كما يقول محللون.
وعندما ينتهي شهر رمضان المبارك، من المتوقع أن يكشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مخططه للسلام في الشرق الأوسط الذي طال انتظاره. ويتوقع إران زينجر، مراسل الشؤون العربية لشبكة «كان» الإسرائيلية، أن يشمل المخطط استثمارات مالية في غزة وخارطة طريق لجعل «حماس» مسؤولة عن القطاع. فـ«(حماس) تشعر حالياً بأنه ليس لديها شيء لتخسره عبر مهاجمة إسرائيل»، وهو شيء خطير بالنسبة لإسرائيل التي يمثل مدنيوها جبهَتها العسكرية ضد الحركة.

*صحافية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»