كيف الحال؟
كيف الحال؟ والإجابة عند معظم الناس بالإيجاب والحمد، وبقليل من القناعة والشكر، وقليل منهم من يتذمر بشكل واضح لا خجل فيه، فهم يدارون حاجتهم بخجلهم، ويسترون معاناتهم بلطف كلماتهم، كل إجاباتهم تذهب صوب أمل قد يطل قريباً:
الحمد لله، ماشي الحال، عال العال، بخير وعافية، يسرك الحال، عايشين، سارحة والرب راعيها، ميسورة، مستورة، من الله بخير! ومن عباد الله، الله يجيب الخير·
أجوبة كلها متفائلة، وأهمها الحمد لله، لأنه سبحانه يحمد على سر الحال، كما يحمد على شر الأحوال، ولا يحمد على مكروه سواه·
فالناس يسألونك عن الحال إذ يسلمون عليك، وأنت لا تملك سوى الإجابة بالتفاؤل، بما تريد أن يكون عليه الحال وما تتمناه، مع أنك قد تكون في أزمة مع تربية الأولاد، أو مع أم العيال ومشكلاتها التي لا تنتهي أو معهما معا، أو معهما وثالثهما البنك وفوائده وأقساطه، ورابعهما مسؤولك في العمل، وخامسهما مع جارك الذي لا يراعي جوارك، ولا خصوصية دارك، وتطول القائمة: مع إشارات المرور أم دقيقة، ومع أزمة المرور واختناقها عند الأنفاق والجسور، ومع الناس الذين لا يلتزمون بخانة مرورية واحدة، ولا يحترمون وقت والتزام الآخرين، ومع أزمة الحصول على موقف لسيارتك في العاصمة، ومع أزمة الفضاء والفضائيات، والمهرجانات، ومراكز التسوق، والغلاء وتغول الشركات·
إن كنت كذلك -لا سمح الله- فابق على جوابك الأول المتفائل عند سؤال: كيف الحال؟
واحمد الله كثيرا على نعمائه، ولا تكتفِ بالنظر إلى النصف الفارغ من الكوب، فأنت شخص سليم، في عيشة راضية! وأنت ذو عقل سليم، وجسم سليم، وصحة طيبة، ثم إنك تأكل وتشرب وتمشي في الأسواق، وأمامك حرية الحركة، ومشاهدة البحر فالتمس منه صداقة المحب، وعشق الباحث عن أسرار الشطآن والنوارس، ودونك الصحراء يأتونها من كل حدب وصوب بحثا عن الشمس الذهبية في ربوع بلادنا، فاستطلع مع المستطلعين جولة في الرمال، واعلم أن هذا الوطن هبة الله لجيلك وللأجيال من بعدك·
كيف الحال؟
الحمد لله، وأنت تسأل عن حال إخوانك وأهلك في فلسطين والعراق، فالتمس لهم الدعاء بأن يفرج كربهم، ويقشع ضباب الاحتلال عن أرضهم ويوحد صفوفهم وجهودهم، ويضمن سلامتهم ويمتعهم بحريتهم، وينقذهم من براثن المحتل وسجون الجلادين، ويحل الوئام محل الخصام، والتمس للأشقاء اللبنانيين الدعاء بأن يفرج عنهم أزمة الكراسي والتجاذب، والتحارب والتحازب والتشنج الطائفي، وصراع الأحزاب والنواب والعساكر والميليشيات والقوميات والمذهبيات، وأن يجنب اليمن مخزون السلاح، وتخزين القائلة، وتمنى للسودانيين أن يفرحوا يوماً ببلدهم وخيرات بلدهم، وتمنى لمصر تجنب الاحتقان والغلا الجديد، وتمنى·· وتمنى·
كيف الحال؟
عال العال، بشرط براءة السؤال!