كنت أنتظر قدومك يا فصل النسائم الشفيفة والهواء اللطيف. يا فصل الخصب والزراعة. ها هي أغصان أشجاري تتمايل في مهب هوائك المنعش. وأزهار الفل والياسمين بدأت تنمو وتتفتح وترش عطرها في أرجاء البيت، لأنك الفصل المزدهر للزراعة الذي تعودت كل عام فيك زراعة بذور الخضروات بأنواعها في حديقة بيتي الصغير. وكل صباح أراقب أشجاري وأزهاري ونباتاتي التي زرعتها منذ عشرات السنين، أحدثها وأشم عطر أزاهرها وأتلمس أغصانها وأقطع ما تيبّس منها في فصل الصيف لتستعيد نموها في فصلك الذي يطرد حرارة الصيف فتبتدئ الأغصان في النمو ويثمر منها ما يحتاجه من البرودة في فصل الخريف الذي تزدهر فيه زراعة الخضروات بتعدد أنواعها، والتي ينهض المزارعون في كل مكان بزراعة كل أنواعها وكل ما يحتاجه الإنسان لغذائه اليومي على مدار الفصول والسنين. مر الصيف حارقاً أكثر مما اعتدنا طقسه في سنوات ما قبل ارتفاع درجات الحرارة في هذا الكوكب. ثم انتظرنا مجيئك يا فصل الخريف، فقد تعودنا على برودة طقسك ولطف هوائك ورقّة نسائمك. فكلما ارتفعت درجات حرارة الصيف وحرائقه باتت البذور قابعة في التربة تنتظر برودة هوائك ولطف طقسك كي تنهض من تربتها وتنمو فروعها وأغصانها وثمارها. هل إن ارتفاع درجات حرارة هذا الكوكب الأرضي أضعاف ما كانت عليه، أو ما يسمونه الاحتباس الحراري، بسبب زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية، كما يقول العلماء؟ إذن، لماذا يرتكب الإنسان كل هذه الأخطاء ضد نفسه وضد الطبيعة؟ 
حسناً، أيها الخريف، مهما بلغت درجة حرارة هذا الكوكب في الارتفاع، سوف أزرع البذور وأغرس الأشجار والنباتات الجميلة التي ستبدأ في النمو بفضل رقة طقسك. وسأرش عليها رذاذ محبتي وشغفي بجمالها وفتنة اخضرارها وعطر أزهارها وحلو ثمارها. ولن أخشى من خطيئة الإنسان ضد الطبيعة وعليها. فقد ولد شغفي بالنباتات منذ كنت صبية أدرج في مراقي الحياة. وحين يلمُّ بي الملل والضجر الذي يبعثر طاقة روحي، أتذكر نصيحة الشاعر الفرنسي التي يقول فيها:
«إذا أردت أن تكون سعيداً لساعات قليلة فغنِّ وارقص. وإذا أردت أن تكون سعيداً لسنوات قليلة، فتزوج. أما إذا أردت أن تكون سعيداً إلى الأبد فلتكن لك حديقة»! 
وهذا ما يجعلني في كل بيت أسكن فيه أحيله إلى حديقة تضفي على روحي سعادة دائمة!