نقترب من احتفالية اليوم الوطني التاسع والأربعين في الثاني من ديسمبر المقبل، والإمارات تتقدم الجميع باعتبارها الحاضنة العالمية لأفكار الحوار الثقافي والروحي بين البشر. حتى مع ظروف الحجر ومحاذير الجائحة والوباء، ظلت الإمارات وفية لبعدها الإنساني والثقافي، وخلال هذا العام تابعنا المئات من الفعاليات الافتراضية التي استطاعت أن تتغلب على فكرة العزلة والانطواء. وأن ترسخ الحوار الحضاري بين الإمارات وبقية الأمم من أجل الخروج بتفاهمات جديدة كي يرتفع البشر على مكامن الصراعات الخفية التي شكلتها فروقات الهوية والجنس والعرق والمذهب والديانة. ومنذ سنوات، تعمل الإمارات مع شركائها من كل دول العالم على تعزيز الحوارات المنهجية الساعية إلى تفكيك الخطابات المغلقة والانفتاح برؤية تنويرية على المستقبل، وتركز على إعلاء قيم الإبداع وترى في الفنون والآداب البعد الأعمق لكي يفهم الإنسان ذاته وعلاقتها بالآخر من أجل تجاوز إشكالات وصراعات التاريخ والتركيز على بناء المستقبل بروح جماعية هدفها التأسيس بدلاً من الاستمرار في الهدم، والصداقة بدلا من الحرب، والحب كخيار وحيد ضد الكراهية والعنف والإرهاب بكل أنواعه وأشكاله وخطاباته ومعانيه.
المؤتمرات الثقافية العالمية في مواضيع الترجمة والتعليم الحديث وحوار الحضارات والأديان استمرت افتراضياً بدعم قوي من الإمارات، وبمشاركة وزراء وشعراء ومسؤولي الثقافة من الدولة ومن بقية العالم. الكثير من معارض ومتاحف الفنون في الإمارات استكملت بناء تراكماتها المعرفية والجمالية في أيام الحظر وذهبت لإقامة معارض على الإنترنت بتقنية الأبعاد الثلاثية ثم عادت بالتدريج لتفتح أبوابها قبل الجميع، وجرت أجندات الثقافة كما ينبغي من دون تأخير، وتواصلت حركة طباعة الكتب والتأليف والإبداع، ثم جاء افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب ليبرهن على إصرار الإمارات على دعم الثقافة العربية كمبدأ قامت عليه الدولة منذ بداياتها وسوف تستمر عليه بوتيرة تصاعدية إلى أن تحتل الثقافة مكانتها الروحية العميقة في نفوس كل مواطن عربي.
لم يعد احتفال الدولة باليوم الوطني قاصراً على إطلاق الأهازيج والتغني بالمنجزات الكبيرة التي تحققت خلال هذه المسيرة الرائعة حتى وصلنا إلى مشارف الخمسين الأولى، وإنما أصبح اليوم الوطني ميثاق عمل يتجدد لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض، ميثاق وفاء وولاء وعطاء للتوجه الإنساني العالي الذي يحكم توجهات الدولة ومن ضمنه في الأساس تقدير قيم العلم والإبداع والابتكار والحرية الفردية وبث المرونة في القوانين المدنية وتجديدها والنظر إلى الثقافة كشريك جوهري في البناء والتعمير.