أصبحت عادة غير مستحبة عند هذا الجيل الجديد الذي يعتقد أن كل شيء موجود في شبكة الإنترنت، بحيث استسهل الأمور، وصغّر الأشياء، وقزّم المعلومة، واعتقد أن كل شيء يمكن أن يكون تحت يده، وبنقرة من أصبعه، على الرغم من يقين الكثيرين أن المعلومات على شبكات الإنترنت غير موثّقة، ولا محكمة، ولا مصدّقة، والكذب فيها أكثر من الصدق، والأمر قد يهون لو كانت المعلومة جغرافية أو تاريخية أو تخص معلماً سياحياً، حيث لا ضرر ولا ضرار، لكن الأخطر أنها معلومات تخص صحة الإنسان الجسدية، وما يتعلق بها من أوبئة وحالات مرضية أو نفسية الإنسان وما يتصل بها من أوهام وعُقد وأمراض، هناك مواقع يقبل عليها المرضى أو المتوهمون المتصفحون، سواء كان البحث عن أمراض فيهم أو في أولادهم أو بغية صنع النصيحة الطبية لصديق أو جارة أو زميلة عمل اشتكوا فجأة من شيء ما يخص صحتهم أو هي وساوس مرضية يوحي بها لهم ضيق الحياة وحالات النفس المضطربة أو البطالة أو الخوف من زيارة الطبيب أو حتى الوهم الزائد بإمكانية إنقاذهم من خلال شبكة الإنترنت وعلاجها المجاني أو أدوية أو نصائح يمكنها أن تهدئ النفس، وتبدد قلقها، وقد استغربت أن هناك وصفات طبية ودوائية تخص معظم الأمراض متوفرة بمجانية مطلقة.
اليوم هؤلاء المتوهمون المتصفحون للمواقع «الطبية» والذين يقضون الساعات الطوال في قراءة أسباب العلل وطرق علاجها سواء طبياً أو بالطب البديل، يعجزون عن ترك هذا التعلق بالشبكة الرقمية والنهوض وزيارة أي مستشفى عند الشعور بأي وجع أو اضطراب صحي أو شعور أم أن ولدها الصغير يعاني من وجع في بطنه وانتفاخ غير عادي، فتظل طوال الليل تتنقل من موقع «طبي» إلى آخر على تلك الشبكة العنكبوتية، وتسهر تقرأ تعليقات الناس عن أمراض متداخلة حتى تصل إلى نهاية مفزعة نتيجة الوهم والقراءات المتشابكة وآراء كل من هبّ ودبّ، كثير منهم غير متخصصين، فتصبح الصبح ورأسها مثل «الهبّان»، فزعة وجلة، وكأنها تيقنت أن ما بولدها هو مرض خبيث، إن القصد أن ما يمر علينا في حياتنا، وما يمارسه البعض من المتصفحين الموسوسين، وما نراه من تصرفات الناس غير الواعين يؤكد أننا نحن من نصنع أمراضنا وعلل أولادنا بجهلنا وتعلقنا بشبكة الإنترنت، وما تعج به من معلومات طبية غير مترابطة، ولا دقيقة، ولا هي بديل عن زيارة الطبيب، وأنها تقدم الوهم المجاني، مثلما تقدم عنوان طبيب إلكتروني لا نعرف سحنة وجهه، ولا ندري إن كان يحفظ أصلاً قَسَم «أبوقراط» الطبي.
الجيل الجديد والمتعلم والذين يفترض أن يكون القسم الأعظم منهم على دراية ووعي، عليهم أن يقلعوا عن هواية اسأل «الدكتور س. ج» على شبكة الإنترنت أو تتبع الأمراض وأسبابها وطرق علاجها من خلال طبيب غير منظور أو طبيب وهمي أو طبيب يريد أن يصنع له دعاية مجانية على حساب صحة المرضى، فيبني لهم صفحة إلكترونية فيها معلومات رقمية طبية، مصادرها المجلات العلمية والطبية المتخصصة بترجمة سيئة للغاية، فيقص ويلصق على اعتبار أن لا أحد يمكن أن يحاسبه عليها، ويتسمى باسم «الدكتور س. ج»، وتعال دوّر من هو ذاك الشخص بوجه أبيض محمر، وبالطو أبيض، ونظارة تقف على أرنبة الوجه، وسماعة معلقة على الصدر منتهية الصلاحية، ولا فائدة ترجى منها، ولا تتناسب مع عصر الإنترنت!