تصرف بسيط، ولكنه عظيم الأثر ذلك الذي طبقته وأقدمت  عليه إحدى جمعياتنا الخيرية في الدولة، وهي تحرص على إرسال مندوبيها لتوصيل المساعدات العينية المقررة للأسر المتعففة المسجلة لديها بسيارات لا تحمل شعارات الجمعية، حرصاً منها على  عدم إيذاء مشاعرهم وحتى لا يشعروا بأي حرج مع جيرانهم، لأنهم من تلك الفئة التي قال عنها المولى عزوجل» تحسبهم أغنياء من التعفف». 
هذا التصرف البسيط العظيم، فيه كل  معاني الرقي والتعامل الحضاري مع فئات متعففة، تصارع أعباء الحياة والظروف القاسية، وهي بحاجة لمن يقف إلى جانبها لتجاوز تلك الظروف بعيداً عن أي مظهر أو تصرف يخدش مشاعرها ويهز صورتها  في الوسط الذي تعيش فيه.
نحن بحاجة  إلى  تعميم هذه الممارسة الحضارية التي يحث عليها ديننا الإسلامي ويدعو فاعلي الخير والمتصدقين   لعمل الخير بصورة «لا تعلم معه شماله ما انفقت يمينه»،  تعميم يتطلب كذلك  تكثيف جهود جمعياتنا الخيرية للتنقيب  والبحث عن المتعففين بعيداً عن تلك الفئات والنوعيات المحترفة طرق أبواب  الجمعيات الخيرية وهي ليست في حاجة فعلية وماسة كحاجة غيرهم،  ومع ذلك تجدهم يتصدرون قوائم  التوزيع في المؤسسات والجمعيات الخيرية، كما أثبتت الوقائع في العديد من المناسبات والحوادث.
لعل أكثر الفئات حاجة للتعامل  بمثل هذا التصرف الأطفال والنساء، ونحن نرى بعض تلك الجمعيات أيضاً لا تراعي جانب الخصوصية والحرص على عدم إيذاء مشاعرهم، وتجدها لا تكتفي بتوزيع المساعدات عليهم بأكياس وعلب تحمل شعارات تلك الجهات وإنما تقوم بتصويرهم ونشر الصور.
ذات مرة ناقشت مسؤولاً بإحدى جمعياتنا الخيرية حول هذه النقطة، أي التصوير والنشر، فبررها بأنه من أجل طمأنة المتبرعين، ونسي وجود المئات بل والآلاف منهم ممن يرفضون ذكر أسمائهم ويكتفون بعبارة» فاعل خير»، مبرر غير مقنع حيث توجد العديد من الطرق لتعريف المتبرع بمصارف توزيع تبرعه إن أراد ذلك.
 ونحن نتابع  هذه الأيام فعالية الأسبوع الوطني للتوعية ومكافحة التنمر، لا يدرك أمثال صاحبنا كيف يمكن أن تكون مثل تلك الصور التي يظهر فيها أطفال يتلقون حقيبة مدرسية أو كسوة شتاء إلى مادة للتنمر أو الإساءة وإيذاء مشاعر طفل.
مع كل التقدير للجهد الكبير والمتميز الذي تقوم به جمعياتنا لعمل الخير  داخل وخارج الدولة، نتمنى عليها متابعة مثل  تلك السلوكيات التي قد تبدو للبعض بسيطة، ولكنها تظل ذات أثر عميق على النفوس.