قد تستوعب اعتذار موظف إداري عن مواصلة استقبال معاملتك والمراجعين بحجة  دوامه وساعات عمله، ولكن ما أقدم عليه طيار إحدى شركات الطيران الآسيوية العريقة جاء بعيداً عن كل ما يمكن تصوره، بعد أن هبط بطائرته التي تقل عشرات المسافرين اضطرارياً في مدينة غير الوجهة النهائية للرحلة بحجة انتهاء ساعات دوامه، وعلى الرغم من أن الرحلة المجدولة لم تكن من الرحلات الطويلة التي تستوجب وجود طاقم إضافي، إلا أن الشركة المالكة بررت فعلة الطيار بأنه «كان بحاجة إلى الراحة، وإن ما فعله كان حرصاً على سلامة الطائرة والركاب».
قوانين العمل واللوائح المنظمة وجدت لمعالجة هذا الجانب المهم، الذي توليه الشركات الكبرى اهتماماً خاصاً لأنه يعني براحة وسلامة وسعادة الموظف، والذي متى ما كان مرتاحاً وسعيداً في بيئة العمل، انعكس على أدائه وإنتاجيته ونفسيته وعلاقته مع محيطه المهني والعائلي. تصرف الطيار بدا كما لو أنه رسالة لشركة الطيران وغيرها من الشركات التي فرضت عليها جائحة كورونا تحديات جمة ألغت معها الكثير من الوظائف وقلصت النفقات والمصاريف دون إيلاء  الجانب المتعلق براحة العاملين الاهتمام الذي يتوجب عليها التركيز باعتباره  المفتاح الأهم في نجاح خطط وبرامج هذه الجهة أو تلك. خاصة عندما تُبتلى شركة ذات طابع خاص كالطيران بكوادر لا تدرك معنى حاجة الطيار وغيره ممن يشغلون وظائف حيوية  للراحة، فالأمر بالنسبة لهم سيان لا فرق  في الحاجة إليها بين طيار وسائق شاحنة المهم عدد الرحلات التي يقوم بها. وأتذكر كيف قامت العديد من الدول الأوروبية بحظر طائرات تلك النوعية من شركات الطيران - ومن بينها الشركة التي يعمل بها صاحب الواقعة- لأنها تفتقر للكثير من قواعد السلامة ومن بينها إرهاق الطيارين.
من هنا راعت لوائح العمل وقوانينه هذا الجانب المهم والمؤثر في حياة العاملين، وجاء تحديد ساعات العمل بعد دراسات طويلة وتجارب عديدة، تراعي مصالح كل الأطراف. بل واتجهت العديد من  دول العالم لتبني أنظمة جديدة للعطل الأسبوعية تم بموجبها تقليص ساعات العمل الطويلة غير المجدية لصالح تمكين الموظف والموظفة على حد سواء لقضاء أطول وقت ممكن مع الأسرة لما لها من فوائد ونتائج على كافة الصعد، ولعل أكثر المستفيدين من ذلك الشركة نفسها كما قالت «جوجل» أكبر الشركات العملاقة، فالمسألة أبعد وأشمل من مجرد بصمة حضور وانصراف!!.