تلقيت دعوة للمشاركة في مهرجان طيران الإمارات للآداب وفي جلسة موضوعها «ترى كيف يبدو مستقبل الكلمات؟»، فتشاركت المعرفة مع الحضور بأن فتحت نافذة الذاكرة وأبواب القلب، فالكلمة قبل أن يكون لها مستقبل يجب أن تكون موجودة أصلاً وأساساً. الكلمة ومجمل الكلام سمعناه فرددناه أو قرأناه مِن ما يمليه علينا الوجدان، وتعبر الكلمات عن الأفكار والقيم والمبادئ، التي تتراكم في جُمَلٍ موسيقية وفقرات إبداعية تمزج المشاعر بالمواقف والذكريات. الكلمة ناتجٌ لالتقاء الزمان مع المكان، فهناك كلمات ومفردات تخص زمانها وبيئتها المحلية. لذا نجد كلمات تخص بيئة الصحراء، وأخرى ترتبط بالريف، وغيرها من كلام أهل الساحل، وتالية تتبع سكان الجبال وقممها، كذلك تختلف مفردات الأحياء والبيوت وبعض القبائل عن سواها اختلافاً يستحق التكريم؛ لأن أغلب هذه المفردات والمصطلحات تصب في نهاية الأمر في محيط اللغة العربية، برغم تشعبها وتشتتها ومهما هامت بها التفاسير.
رمستنا غلجة، والأصل هو غَلِق وتشبيهٌ لذلك الباب الذي عَسِرَ فَتْحُهُ والقصد هنا الصعوبة وخلافٌ لذلك علمنا أهلنا الذرابة، وفي لسان العرب السيفُ َ ذَرَباً، وَذَرابَةً: صار حديداً ماضياً. ينعت بها الشخص الذي يكون شتَّاماً لا يبالي ما يقول، والذرابة أيضاً أن يكون المرء فصيحاً. إذن الذرابة هي الذكاء والأخلاق الذي يوظفه الشخص حتى يعكس سرعة بديهته وفراسته وحسن تصرفه، لا سيما أمام الغرباء. وعلى نفس المقياس منعنا أهلنا عن الهذربان لإن الْهَذْرَبَةُ: َثْرَةُ الْكَلَامِ فِي سُرْعَةٍ ليس فيها فائدة تُذكر.
تعلمنا من أهالينا أن للكلام ميزاناً يقيس الفهم والعلم والتحضر والمستوى والأصل والفصل، وترسخت تلك المفاهيم كعناصر أساسية في تكريس الهوية الوطنية، وتعزز القيم والأخلاق الحميدة، وطالما تتكرر أمثلتهم الشعبية وتوثق رمستنا وتفاصيلها المؤسسات المختصة لا نخاف ولا نحاتي ضياع الكلمات ومستقبلها، ومن تلك الأمثلة ما أترككم للقراءة بين ثناياها «إن كان المتحدث مجنون يكون المستمع عاقل»، «اللسان ما فيه عظم»، «إسمك يا العقيلي أخير عن ملتقاك»، «كلام ماويودي ولا يجيب»، «الريال مب بالقول الريال بالفعل»، «فلان شرات العظم في الحلق»، «لاتاخذنا بشراع وميداف» و«باغسل شراعك»... وهذا «خط تقراه الياعدة».
للعارفين أقول، لابد من الإصرار على اللغة العربية ولو الوَنَعُ أي الطشْوُنة منها، فدولة الإمارات العربية المتحدة دار بناها وأسسها المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» على قيم ومبادئ العروبة والصحراء، فقرروا أن تكون مفرداتكم من بيئتكم وتراثكم الأصيل وحضارتكم العريقة، وكما يقول جلال الدين الرومي: «عندما تقرر أن تبدأ الرحلة سيظهر الطريق».