لا شيء أشد على النفس من الخوف من الخوف نفسه، قد يرعبك ماء البحر، وعلو الجبل، وعمق المغارة والكهف، مرور الشاحنة الضخمة بجانب سيارتك، عبورك بوابات المطارات ونقاط الحدود، رهبة ركوب الطائرات، فزع رؤية الدم المسال، مرور الزواحف والحيوانات والحشرات بالقرب منك، فجأة البرق والرعد، دوي الانفجارات، التخوف من الازدحام، رهاب المصعد وخوف تعطله فجأة، لكن ليس هناك من رعب أقوى من الخوف من الخوف ذاته، تظل في حالة توجس وتخوف وتربص وفزع كامن في الصدر، الخوف من الخوف هو الأحلام الدائمة بحدوث مكروه، وشيء خطير للنفس ولنفوس المحبين والأقرباء، خوف يكبر في الداخل، وتظل النفس تستدعيه، وكأنه حاصل لا محالة، خوف تبحث عنه النفس في الخارج ومع الآخرين، وتبقى تقرّبه إلى محيطها ومن يدور في فلكها، ومن هو غال عليها. 
الخوف من الخوف شيء مدمر للنفس وللآخرين الذين يحيطون بها، في البداية يكون الاعتقاد أنه الوهم والتوهم، وحين يصبح دائماً وملازماً عند الإنسان ينفّر الآخرين لأنه يشكل ثقلاً عليهم قبل أن يكون ثقلاً على الآخر المصاب بوهم الخوف من الخوف، والذي يمكنه أحياناً أن يتعايش معه حتى يصبح جزءاً من يومه، ومن تفاصيل حياته.
ولعل المرأة الأم هي خير مثال للذين هم مصابون بتوهم الخوف من الخوف، فإذا سمعت عن حادثة لأسرة في أي مكان في الدنيا، تستجلب تلك الحادثة إلى مكانها وبيتها، وتشعر أنها قد تحدث لأبنائها وأحفادها، لذا تهرع إلى المدخن لتدخن عيالها وتحوطهم بالبسملة والمعوذات حتى يصبح بيتها من روائح الشَبّة واللبان والحنظل، وكأنه كان مسرحاً لطقوس دق الزار واستجلاب الجن، وإن ذهبت إلى البحر لتستحم هي وعيالها وتفرح بهم أنهم ودعوا رهبة البحر ومائه المالح، يطرق على ذهنها ذلك الخوف الوهمي، فتبدأ بكتابة سيناريو الغرق والانزلاق الصخري، وتوهم الحوادث المائية من المستهترين، وربما خروج مارد البحر أو لِمَ لا تكون قصة فيلم «القرش المفترس» حقيقة، وطبعاً الهدف المتوقع هم صغارها، تظل تتأكد بيدها أكثر من مرة أن الغاز مغلق، وتبقى تشم روائح البيت أن لا تسريب محتمل للغاز في غيابها، هذا غير الوصايا العشر، والمكالمات الهاتفية كل ربع ساعة للاطمئنان على السلامة العامة، واستتباب الأمن المنزلي.
الأحلام والكوابيس إن تراءت لها خاصة في ليلة ظلماء، ذئب ينهش عظم ولدها، أفعى ناشبة في عقص بنتها، سيارة راجعة «ريوس» وخطفت على بيتها وخلته «بيَزّ»، عنكبوت أرملة، رمادية اللون لاصقة في شيلتها، ساعتها تقفز من فجر ربها تبحث في كتاب «بن سيرين»، وتفاسير المطاوعة الجدد لأحلام المراهقات والعوانس والمتابعات لبرامجهم الفاترة، وما تخلي دردشة بخصوص الأحلام وتفاسيرها على الشبكة العنكبوتية، حتى يطمئن قلبها أو تبقى متخوفة من حدوث شيء ما لها ولأهلها وأولادها.. سيبقى الخوف من الخوف مرضاً قاتلاً، ومعدياً، ويمكن أن يورث، المهم.. من أجل النجاة بالسعادة، لا تدَعوا ذلك الخوف يطرق بابكم دوماً وأبداً.