كما تفيض الأنهار بمياهها، أحياناً يفيض القلب بمحتواه، فتختلط المشاعر بالتطلعات والأماني، وتحتقن محاجر العيون بالدموع التي ينسجم هطولها مع الأفكار والأحاسيس، بعضها دافئ، وبعضها مالح، وبعضها الآخر لا يعرف سوى السقوط كالشلالات المنحدرة من قمم الجبال.
سألني صديق حميم ذات مساء: «هل تُعتبر دموعنا ومشاعرنا ضعفاً أم قوة؟»، قلت بعزمٍ وصراحة: «الدموع ليست سوى مياه تحتجزها العيون وتستخدمها عند الضرورة لأغراضٍ وأهدافٍ لا يعي أهميتها سوى من يحملها في أحداق عينه». عندها سألني سؤالاً موجَّهاً ومقصوداً وواضحاً وصريحاً: «هل تشعرين بالسعادة الحقيقية؟»، فهمست في أذنه: «نعم، لا، وربما». عندها خَزَرني بنظرة ثاقبة امتصت محتوى تفكيري وقال: «أنتِ دوماً هالنمونة.. ما ناخذ منك حق ولا باطل!»
فعالَجت الأمر بسرعة أدهشتني وقلت له: «الموضوع سهل، أكون سعيدة عندما أكون بينكم، وتبتعد عني السعادة عندما لا يقع ناظري على بؤبؤ أعينكم. وأعيش على أمل اللقاء، وربما، فالسعادة مثل المخبأ الذي به غوازي، يفرح البعض وترتفع توقعاتهم عندما نضع أيدينا فيه، ونتحايل على أنفسنا ومن نحب فلا نقول لهم عن منازله وحجره وخباياه، ونفرح عندما نُفلس من أجل المحبين، وربما نحزن على أنفسنا لمجاراتنا مُخيِّبي الظن».
في لقاء هذا الأسبوع اجتمعنا كالعادة، وسار الحديث حول الماضي والحاضر. لم أجزع عندما جاءت فرصة نادرة سألني فيها أحدهم: «عائشة، كم تحبيني؟»، فكان ردي سريعاً ومباشراً: «هل هذا جواب أم سؤال؟ إن الحب الذي في قلبي لا يعرف حدّاً أو نهاية. أنا من يحبك ويحب الصدق والحقيقة، وليست لدي مآرب أو مصالح تُحرِّك أو تُخرْبش أو تُحفِّز هذا الحب.. لذا لا تسأل عن الكمية، ولكن في قياس نظرك قُمْ بتقييم جودة محبتي ومعطياتها ومخرجاتها». قال: «أنا أحبك، وإلى أن نلتقي قريباً كوني الأجمل».
للعارفين أقول: «إن الحب لا يعرف الكلام، لأنه يعكس الجوهر والقيم والمبادئ والإيمان». يقول جلال الدين الرومي إن الحب نور يجمع البشر مع الوجود، فمنه تصدر جاذبية تدعو جميع المخلوقات إلى الاتحاد مع الخالق. الحب قوة جوهرية، صلبة صلابة الجبال، فهو لا يزول ولا تغيره الظروف، وينبع من الداخل ليُضيء العالم بنوره.


