ثمة ترقب دولي لظهور موقف أميركي مستجد من القضية السورية، وأحسب أن الدول المعنية بالقضية السورية وتداعياتها تنتظر هذا الموقف لتعيد بناء مواقفها، وأهمها روسيا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، أما المعارضون السوريون فبعضهم لا يعلق أية آمال على الموقف الأميركي منذ أن بدأ تخلي أوباما عن المسألة السورية وانصب اهتمامه على الاتفاق النووي مع إيران وأطلق لروسيا العنان، وهؤلاء يرون أن القضية السورية لا تحظى باهتمام بايدن، حتى أنه لم يشر إليها في حملته الانتخابية، ولم يعرب عن رؤيته بوضوح رغم مرور أحداث جسام في سوريا بعد بدء ولايته، ولعله أقر ما ورث من موقف صامت أمام تعثر اللجنة الدستورية التي جاءت نتاج تفاهم عابر بين ترامب وبوتين خلال اجتماع عقداه في مدينة دانانج في فيتنام، حيث أصدرا بياناً أكدا فيه على حل سياسي اختُصر فيما بعد بكتابة دستور جديد وانتخابات، وقد تم إهمال مسار المفاوضات في جنيف، بل توقفت تماماً خلال عهد ترامب، وفتر الاهتمام الأوروبي في السنوات الأخيرة، وتم إقصاء كثير من المعارضين الذين تمسكوا بالتراتبية في تنفيذ القرار الدولي 2254 ورأوا أن القفز إلى تشكيل لجنة دستورية قبل تحقيق الانتقال السياسي، هو مخالفة واضحة للقرار الأممي والتفاف عليه، وقد أثبتت اجتماعات اللجنة الدستورية صحة هذه الرؤية، ودخلت العملية السياسية في حالة جمود وتوقف.

وبعض المعارضين الآخرين يرون أنه لا حل للقضية دون اتفاق روسي أميركي، وأن الولايات المتحدة، وإن بدت غير مهتمة بالقضية السورية (وهي أحياناً تلوح برغبة في الانسحاب، وبتقليل الاهتمام بالشرق الأوسط كله)، إلا أنها لن تغامر بفقدان دورها القيادي في المنطقة، وبترك سوريا لإيران كما فعلت سابقاً في العراق، ولن تقدم هديةً كبرى لروسيا كي تحل القضية وحدها ضمن رؤيتها. 

وثمة سؤال هام: هل يملك بايدن وحده سلطة القرار في رسم السياسات الأميركية أمام سيل الصراعات الداخلية التي تحسمها عادة قوى الدولة العميقة؟ ربما تكون إدارة بايدن تنتظر هذا الحسم.
لقد رأينا اضطراباً كبيراً في الموقف الأميركي من القضية السورية منذ عهد أوباما، وقد تكرر هذا الاضطراب في عهد ترامب، وبدا أن سياسة الرئيس بايدن تلتزم الهدوء والاتزان والنضج القانوني، وقد كانت سياسته المتزنة في دفع وقف إطلاق النار في المعارك الأخيرة في غزة وفي الاعتماد على تدخل مصري وعربي، وفي إحياء رؤية حل الدولتين وملامح التراجع المتوقع عن السياسات المنحازة.. دليلاً على صعوبة تخلي الولايات المتحدة عن حضورها في الشرق الأوسط، بل إن الأحداث المتصاعدة تستدعي دوراً أكبر للحد من اختلال الموازين ومن الاستهانة بالحقوق التي لابد من أدائها للشعوب. وهذا ما يجعلنا نتطلع إلى أن تقوم الإدارة الأميركية بمراجعة واسعة للرؤى الأميركية التقليدية في المنطقة، وهي التي لم تنجز حلولاً نهائية تحقق الأمن والاستقرار.
وثمة فريق من السوريين يرى خطر استمرار الإهمال الدولي للقرار الأممي 2254، مما يعني بقاء الأمور معلقةً لعقد آخر من السنين وربما أطول، وهؤلاء يخشون من أن يشكل الصراع الخافت الصامت بين رؤية روسيا والولايات المتحدة للقضية السورية مبرراً لبقاء القضية دون حل، فهناك مَن يرى أن الولايات المتحدة ليست مستاءة من غرق روسيا في نهر الدم السوري، ومصالحها فيها لا تقلق البيت الأبيض، وأنه لم يبق في سوريا غير الفقر الأسود، والصراعات الدموية الظاهرة والكامنة، ولا أمل في تحسن الاقتصاد وبدء الإعمار ما لم ينجز الحل الشامل، وسيبقى الانتقال السياسي أولوية في أي حل حاسم. 

 

*وزير الثقافة السوري الأسبق