من المقرر أن تتفوق الهند على الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، إذ سيبلغ عدد سكان البلاد 1.7 مليار نسمة في عام 2050، أي أكثر من العدد المسجل في الصين للعام نفسه والذي سيبلغ 1.3 مليار نسمة.

وقد أعلنت الصين أن معدل المواليد في البلاد قد وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، مما يمهد الطريق للهند للتفوق عليها في هذه الناحية. هذا يجلب الفوائد والعيوب للهند. وتتمثل الفائدة في أن الهند بها عدد من الشباب يبلغ 650 مليوناً أو 40 في المئة من سكانها دون سن 40 عاماً. يمكن لهذه الطفرة في عدد الشباب أن تعزز نمو الهند، وتوفر عمالة رخيصة.

فالقوى العاملة الكبيرة والرخيصة بإمكانها مساعدة الهند على أن تصبح قادرة على المنافسة في التصنيع، حتى مع استمرار ارتفاع تكاليف العمالة في الصين. من ناحية أخرى، يواصل الهنود المهرة الهيمنة في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات. يتناقض السكان الشباب في الهند مع شيخوخة السكان في العالم الغربي أو في الاقتصادات المتقدمة في آسيا، بما في ذلك الصين.

ومع ذلك، فإنه يطرح تساؤلاً عما إذا كان بإمكان الهند تسخير هذا العائد الديموغرافي بشكل فعال مثلما فعلت الصين لتزويد اقتصادها بالطاقة في أواخر التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وضمان أن العائد الديموغرافي لا ينتهي بأزمة ديموغرافية. الهند بحاجة إلى توفير وظائف للملايين الذين يدخلون سوق القوى العاملة بصرف النظر عن ضمان أن هؤلاء السكان ماهرون ولديهم تعليم جيد.

إن خيبة الأمل بين السكان القادرين على العمل في الهند اتجاه مقلق في وقت يعاني فيه البلد الواقع في جنوب آسيا من مشكلة بطالة مستمرة. يبلغ معدل المشاركة في القوى العاملة في الهند، وهو النسبة المئوية للسكان الذين يعملون أو يبحثون بنشاط عن عمل، 40 في المئة في حين أن المعدل العالمي هو 60 في المئة. وفي داخل الهند، أثار المؤشر إلى أن تصبح الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، الجدل داخل البلاد حول كيفية الحد من عدد السكان.

يذكر أن الهند قد شهدت في سبعينيات القرن الماضي برنامجاً كارثياً للتعقيم القسري للذكور. كان هذا البرنامج الفاشل بمثابة نكسة كبيرة للحكومة التي كانت في ذلك الوقت في السلطة. ومنذ ذلك الحين، لم يرغب السياسيون في إحياء أي برنامج من هذا القبيل وإعادة تقديمه، على الرغم من أنه خلال العامين الماضيين، أصبحت جهود تنظيم الأسرة أكثر تركيزاً.

بينما سيستمر عدد سكان الهند في النمو، فإن المعدل الذي ينمو به قد انخفض في إحدى علامات النجاح. فقد انخفض معدل الخصوبة الإجمالي في الهند، أي عدد الأطفال لكل امرأة، إلى 2 خلال الفترة بين 2019-2021، مقابل 3.4 في 1992-93. يعتبر الخبراء هذا مؤشراً على أن الجهود الطوعية لتنظيم الأسرة تنجح. كانت هناك دعوات لقصر عدد الأطفال على اثنين، ولكن هذه فكرة سيئة بالنظر إلى مدى معاناة الصين لقرارها تحديد عدد الأطفال من خلال سياسة الطفل الواحد.

والآن، تعاني البلاد من شيخوخة السكان، مع عدم رغبة الشباب الصينيين في إنجاب المزيد من الأطفال. في الهند، أوضحت الحكومة أن السيطرة على السكان لا ينبغي أن تتم بالقوة، ولكن من خلال خلق الوعي وتثقيف الناس. وفقاً لذلك، في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند، تساعد الحكومة على برامج تنظيم الأسرة لمكافحة المواقف والسلوكيات المجتمعية الراسخة في المناطق الريفية، حيث ترتفع معدلات الخصوبة مقارنة بالمناطق الحضرية. ومن ثم، فإنه يتعين المضي قدماً في تثقيف الناس، خاصة النساء، حيث أظهر انخفاض معدل الخصوبة أن هذه السياسة تؤتي ثمارها. والنمو السكاني في الهند ليس متساوياً أيضاً.

بينما تقود الولايات الشمالية النمو، حققت الولايات الجنوبية استقراراً في عدد السكان ولديها معدلات خصوبة أقل. لقد حققت هذه الولايات الجنوبية المستوى الإحلالي للخصوبة، وهو مستوى الخصوبة الذي يحل فيه السكان محل أنفسهم تماماً من جيل إلى آخر. ومع ذلك، فإن الولايات الجنوبية، مثل ولاية تاميل نادو، ستواجه مشاكل شيخوخة السكان، وقد تفقد التمثيل السياسي إذا تم المضي قدماً في خطط التمثيل في البرلمان وفقاً لعدد السكان.

لكن الطفرة السكانية يمكن أن تأتي من المقاطعات الوسطى التي تسجل درجات أقل من بقية البلاد فيما يتعلق بمؤشرات مهمة مثل الوصول إلى مستويات الصحة والتعليم ومستويات التغذية. لذلك، هناك العديد من التحديات التي تواجه الهند، ولكن هناك أيضاً فرصة. بعد كل شيء، فالهند هي أيضاً واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. وستحقق نمواً في وقت تواجه فيه البلدان الأخرى تباطؤاً، لذا تعد الهند أيضاً محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي. والآن بصفتها الدولة الأكثر كثافة سكانية في العالم، سيكون لها أيضاً دور كبير في القضايا العالمية.

في هذا الإطار، من المقرر أن تستضيف الهند هذا العام اجتماعات مجموعة دول العشرين. علاوة على ذلك، فإن الازدهار السكاني في الهند يعطي الدولة الواقعة في جنوب آسيا وزناً أكبر في القضايا العالمية. وليس هناك شك في أنه على الرغم من كل التحديات، فإن سكانها من الشباب سيواصلون دفع عجلة النمو الاقتصادي. وستظل الهند محركاً للنمو العالمي.

لكن يبقى أن نرى ما إذا كان هذا البلد الواقع في جنوب آسيا قادراً على توجيه سكانه الشباب بشكل فعال. إذا تحقق ذلك، فلن يكون هناك ما يقف أمام الهند.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي.