الصحافة والمجتمع.. «الاتحاد» والرسالة الوطنية
كثُر الحديث في السنوات الأخيرة عن التحديات الضخمة التي تواجهها الصحافة، وما إذا كان من الممكن إنقاذها في عصر يتسم بانخفاض التوزيع وعائدات الإعلانات. لكن كان هناك قدر أقل من النقاش حول ما يمكن أن نفقده إذا ما انقرضت الصحف؟ ولماذا لا تزال الصحف مهمة؟ تعتبر الصحف وسيلة فريدة من نوعها في مجال الأخبار الموثوقة والمعلومات غير المغلوطة وغير المضللة، والتي تعكس ما يدور في الشأن المحلي والإقليمي والدولي وما يخص الفرد في المجتمع بقدر ما يهم الدولة ككل، ومعرفة ما هي توجهات الدول واستراتيجياتها وسياساتها وطموحاتها، ناهيك عن سماع صوت المجتمع والتعبير عنه من خلال الكتّاب الذين يعبّرون عن وجهات نظر متنوعة تساهم في توعية المجتمع.
وحدها الصحافة المسؤولة المتسمة بالحس الوطني قادرة على تطوير أدواتها واستثمار الطفرة التقنية، وتنويع وسائل الوصول إلى الجمهور بكافة فئاته، ما يجعل التطوير خطوة لا بد منها لتعزيز دور الصحيفة في تقديم خدمة إخبارية موثوقة للجمهور.
رسالة كبرى تحملها الصحافة الوطنية في التعبير عن صوت الشارع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإيصال رسائل للجمهور بكل مكوناته في الداخل ورسائل أخرى للخارج تبين وجهة نظر المثقفين والمفكرين والنخب، وسرد الإنجازات وتبصير الرأي العام بها. الصحافة أيضاً مرآة المجتمع تعبر عن رؤاه وتطلعاته وآماله، وتجعله قادراً وواعياً بالمعلومة الصحيحة كي يكون مؤهلاً للتعامل مع التحديات في المجالات كافة.
الصحافة الوطنية أيضاً تلعب دوراً في طرح آراء فئات المجتمع من الجنسين ومن مختلف المراحل العمرية والخلفيات الاجتماعية، لتعكس توجهات تلك الأجيال، وتعبر عن طموحاتها وفي ما تفكر به وما هي أولوياتها. ولدى صحيفة «الاتحاد» رصيد كبير في التعامل مع التحديات المجتمعية كجائحة كوفيد -19، وأيضاً في الاحتفاء بالمنجز الوطني في إكسبو 2020 وفي انطلاق «مسبار الأمل»، ورحلة سلطان النيادي في محطة الفضاء الدولية. ومن الأمثلة المشرّفة عن الدور الحيوي التي تلعبه الصحف في نهضة دولها نشير هنا إلى جريدة الاتحاد الإماراتية التي تأسست عام 1969 أي قبل الإعلان عن قيام الدولة بعامين، حيث أطلق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي آنذاك، ومؤسس دولة الاتحاد فيما بعد من خلال رؤية ثاقبة لدور الصحافة في خدمة المجتمع جريدة «الاتحاد» كرسالة من القائد المؤسس لمجتمعه الداخلي والمحيط به والتهيئة لفكرة الوحدة، وهو أول إعلان غير رسمي عن مشروع دولة الاتحاد بمشاركة الإمارات السبع. قد تم إطلاق الصحيفة في البداية كمجلة أسبوعية مكونة من 12 صفحة مع توزيع 5500 نسخة، وكانت الصور بالأسود والأبيض والرسومات مرسومة باليد والنسخ كانت مجانية. وبدأت الجريدة كنشرة أسبوعية لعدم وجود مطبعة محلية في ذلك الوقت، وكانت الصحف تنتج في بيروت وتُشحن لمدينة أبوظبي.
وكانت صحيفة «الاتحاد» منذ تأسيسها تعبيراً عن الإيمان بالمستقبل وجزءاً أساسياً في خلق الشعور بالوحدة الوطنية، ولذلك لا غرابة أن القصة الرئيسية للطبعة الأولى، وفي الصفحة الأولى كانت تدور حول جهود المغفور له الشيخ زايد والحكام الآخرين للتفاوض على تسوية مشروع دولة الاتحاد، تحت عنوان «مرحبا برواد الوحدة»، واستمرت الصحفية لمدة عامين تمهد للاتحاد وتهيئ الشعب للحظة تحقيق الحلم، ولذلك فهي جزء مهم من جهود تحقيق دولة الاتحاد، وهو ما جعل اسم الصحيفة له رمزية وطنية مرتبطة بتأسيس الدولة أكثر من كونه مجرد اسم لصحيفة محلية.
في عام 1972 أصبحت جريدة «الاتحاد» الأولى في العالم العربي التي تستخدم جهاز الفاكس، وفي عام 1981 بدأت الطباعة في دبي، وفي عام 1996 كانت صحيفة «الاتحاد» أول صحيفة في دولة الإمارات العربية المتحدة تطلق موقعاً إلكترونياً وواجهة مشرقة للإعلام الوطني وهي لا تزال كذلك، ولها الدور الأكبر في وحدة الصف وبناء الوعي وصناعة الرأي العام الذي يعبّر عن توجه الشعب والحكومة، وحشد الشارع حول الأهداف التنموية وأحلام وطموحات الدولة والتحديات الراهنة التي تواجهها وما هو موقف الدولة حيال كل ذلك.
وكانت الصحف أقدم أشكال وسائل الإعلام وتم وصفها بأنها واحدة من أكثر مصادر المعلومات أصالةً في كل مكان حول العالم. ومع ظهور الوسائط الرقمية، وتشابك المدخلات الإعلامية غير الرسمية مع الرسمية في عصر وسائل الإعلام الجديدة، نرى أن جريدة «الاتحاد» صوت يقود الطفرة الصحفية الرقمية القادمة في الدولة بصورة غير مسبوقة دون أن تفقد شيئاً من أصالتها ودورها التاريخي، وستحمل على عاتقها تقليل الفجوة الرقمية لقرائها في كل أرجاء العالم العربي وأيضاً تقليل الفجوة بين المنطقة والعالم.
انطلاقة «الاتحاد» في ثوبها الجديد «مركز الاتحاد الإخباري» ضمن شبكة أبوظبي للإعلام، نقلة نوعية تُضاف إلى تاريخها الحافل في خدمة المجتمع ورصد تحدياته وتطلعاته.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات