من شأن الانسحاب القسري، الذي أُعلن عنه الشهر الماضي، لأكثر من 1000 من قوات العمليات الخاصة الأميركية ومشغلي المُسيرات في النيجر وتشاد، أن يدق ناقوس الخطر بالنسبة لواشنطن. وفي أفريقيا، لم تنجح سياستنا المتمثلة في تعزيز الشراكات الأمنية بدلاً من دعم الديمقراطية. لذلك، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى نهج جديد.
لقد تم إرسال القوات إلى هناك كجزء أساسي من الجهود الأميركية لمواجهة الإرهاب، ويأتي الانسحاب في أعقاب مطالبة الحكومات بقواعد وأنظمة جديدة بشأن العمليات العسكرية الأميركية.
 أصبحت أفريقيا اليوم أقل أمناً وأقل ديمقراطية مما كانت عليه عندما أرسلت الولايات المتحدة تلك القوات قبل عقد من الزمن. ونظراً للنفوذ المتزايد لهذه الدول الأخرى، فمن المؤكد أن هذا التيار سيتسارع.
ومع اضطرار واشنطن الآن إلى الخروج من الخطوط الأمامية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، فإن لديها الفرصة لتبني نهج مختلف، يتمثل في مساعدة البلدان الأفريقية بشكل مباشر على التعامل مع مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية من خلال الدفع باتجاه حكم شامل ومؤسسات أقوى. إن الالتزام بتعزيز الديمقراطية، والذي كان يُطلق عليه ذات يوم اسم «بناء الأمة»، غالباً ما يكون أول شيء يجب التخلص منه عندما تتورط الولايات المتحدة في الاستجابة للأزمات المحلية، كما حدث مع التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة جنوب الصحراء الكبرى.
ومن الأفضل للمسؤولين الأميركيين أن يتذكروا أن الأفارقة يختارون شركاءهم لتحقيق مصالحهم الخاصة، وليس مصالح أميركا. إذا قررت الحكومات الأفريقية الانضمام إلى موسكو بدلاً من واشنطن، فيتعين علينا أن نحاول فهم السبب بدلاً من انتقادها.
بالنسبة للعديد من زعماء منطقة الساحل، يعد اختيار حليف قوي مسألة بسيطة لمحاولة البقاء في السلطة. ويساعد الدعم العسكري الذي تقدمه موسكو، تحت ستار مكافحة الإرهاب. وهنا، لا تستطيع واشنطن ولا ينبغي لها أن تنافس.
ولكن هناك زعماء آخرين تحفزهم بشكل أكبر الرغبة في تنويع الشراكات والحصول على أفضل صفقة عند بناء البنية الأساسية، وتحسين التعليم والزراعة، واستخراج الخامات والمعادن.
ظهرت جذور قلق واشنطن بشأن المخاوف الأمنية في «منطقة الساحل» الأوسع في الأشهر التي تلت هجمات 11 سبتمبر. وكان يُنظر إلى الحكم الضعيف والفقر الساحق باعتبارهما عوامل تحفز خلق مشكلة إرهابية محتملة. ولكن فقط في عام 2012، عندما بدأت الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة في السيطرة على المدن في شمال مالي، وصلت القوات الأميركية إلى المنطقة.
ولكن منذ ذلك الحين، لم يُظهر هؤلاء الإرهابيون التهديد الذي يواجه المصالح الأميركية كما يوحي مستوى مشاركتنا العسكرية. وبدلاً من ذلك، استغلوا الحكومات الهشة في جميع أنحاء «منطقة الساحل». ولم يتمكن القادة المدنيون من دحر التهديد وفشلوا في تقديم الخدمات إلى المناطق النائية الفقيرة والمكتظة بالسكان في بلدانهم أو توفير سيطرة الحكومة عليها.
والنتيجة هي منطقة مختلفة تماماً عن تلك التي التقتها الولايات المتحدة عندما بدأت لأول مرة في إرسال مدربين أمنيين وتبادل المعلومات الاستخبارية الحساسة في عام 2012. والآن تنتشر في المنطقة ست حكومات عسكرية ومجموعة من المواقع العسكرية الروسية الجديدة.
إلى جانب الأخبار التي وردت الشهر الماضي عن الرحيل القسري للولايات المتحدة من النيجر وتشاد، الدولتين قالت الأمم المتحدة إنهما تقعان على الخطوط الأمامية لـ «مركز الإرهاب العالمي»، قامت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي الدول التي يديرها المجلس العسكري، بطرد فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.
من المؤكد أن خسارة موطئ قدم عسكري في النيجر وتشاد يجعل من الصعب على الولايات المتحدة مراقبة المتطرفين عبر 12 دولة أفريقية وتعقب تهريب البشر والاتجار بالمخدرات والتدفق غير المشروع للأسلحة، وكلها تعمل على زعزعة استقرار القارة. وبالفعل، ينتشر المسؤولون العسكريون الأميركيون في جميع أنحاء غرب أفريقيا، بحثاً عن مضيفين جدد لمسيراتهم.

لكن بعيداً عن الخسائر التكتيكية، يمثل الانسحاب خسارة استراتيجية حقيقية لواشنطن، وقد رأت دول أخرى، فرصة في أفريقيا لتحقيق مكاسب في منافسة القوى الكبرى. وقد رحبت كل دولة غادرت منها فرنسا.
وقريباً، تأمل موسكو في إضافة موانئ المياه الدافئة على البحر الأحمر وحتى ساحل المحيط الأطلسي في أفريقيا. ويمكن استخدامها لتزويد وجودها العسكري المتنامي في جميع أنحاء القارة وتصدير الموارد المعدنية الثمينة في أفريقيا. وبالمثل، رصدت إيران فرصة لكسر عزلتها الدبلوماسية وتحقيق الربح، حيث تتطلع إلى إبرام اتفاقيات شراء مع شركة اليورانيوم المرتبطة بالدولة في النيجر وبيع أسلحة متقدمة للجيش السوداني، مما يساعد على تأجيج الحرب الأهلية التي استمرت لمدة عام في ذلك البلد.

ويصور المسؤولون الأميركيون بشكل روتيني هذا الصراع على النفوذ على أنه حرب باردة جديدة. وهذا الرأي يجعل واشنطن غير صديقة في الدول الأفريقية، حيث يعتقد المسؤولون أن أميركا ليست مهتمة بهم حقاً، بخلاف عدم رغبتها في خسارة الأرض أمام المنافسين. والرسالة التي أرسلها الجنرال «مايكل لانجلي»، رئيس القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، والتي سلمها إلى الكونجرس في مارس الماضي، مثال واضح على ذلك. جاء في الرسالة: «هناك عدد من البلدان عند نقطة التحول التي  يتم استغلالها بالفعل ». وتشير رسالته إلى وجهة نظر في واشنطن مفادها أن الدول الأفريقية تتعرض للخداع عن غير قصد.
وبدلاً من تصعيد هذه المنافسة أكثر من ذلك، يجب على واشنطن إعادة تقييم التهديد الإرهابي الفعلي وخطره على مصالح الولايات المتحدة وموازنة التكلفة النهائية للشراكات الأمنية مع الدول التي تفتقر إلى المؤسسات الديمقراطية. وينبغي لها الآن أن تفكر في ما إذا كانت الأدوات التي فضلتها لفترة طويلة - تبادل المعلومات الاستخبارية، والتدريب العسكري، وتوريد الأسلحة - منطقية حقاً في الدول الضعيفة والفقيرة للغاية.
لقد كافحت واشنطن منذ فترة طويلة لتحقيق التوازن بين حماية موقفها وتعزيز القيم الديمقراطية في أفريقيا. ولكي تنجح، يتعين عليها أن تدرك أنها في عصر الاختيار الجيوسياسي هذا، لم تعد قادرة على إملاء شروط شراكاتها مع الدول الأفريقية. وإذا فعلت ذلك فستجد نفسها وحيدة على نحو متزايد وغير قادرة على تعزيز مصالحها أو قيمها في هذه القارة ذات الأهمية الاستراتيجية المتزايدة.

كاميرون هدسون
زميل بارز في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»