في عام 1935 قام رجل سوفييتي يُدعى «أليكسي ستاخانوف- Alexei Stakhanov» باستخراج 14 ضعفاً من الحصة المطلوبة عليه يومياً من الفحم، الأمر الذي أشاد به زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين، وعقد من أجلهِ مؤتمراً حضرتهُ مجلة «التايم» الأميركية، والتي وضعت صورة «ستاخانوف» على غلافها، جاعلةً من اسمه علامة للرجل الذي يعمل بجد شديد. وفي وقتنا الحاضر، الكثير من اقتصاديات العالم مرتبطة بالإنتاجية، لذا نجدها دائماً ما تعلق على أن الإجازات والغياب عن العمل الوظيفي يعد سبباً في انخفاض أداء الاقتصاد والناتج الإجمالي. فرغم أهمية الناتج الإجمالي في التنمية والخدمات، إلا أنهُ لا يمثل مقياساً لمدى قوة وتماسك ورضا وأمن المجتمعات والشعوب، فالعمل والوظيفة ليستا في حالة ترادف، بل العمل يمثل إطاراً واسعاً تقع فيه الوظيفة، كما أن «العمل بعيداً عن الوظيفة» يحمل الكثير من الرضا والسعادة.
يمكن تعريف الوظيفة بكونها إطاراً لعلاقة تبادلية وتكاملية لمختلف الخدمات والسلع يتخللها الحصول على الأجور لتأمين الاحتياجات الأساسية والتبادلية بين أطراف متعددة بين الأفراد والمجتمع والمصانع والحكومات والمؤسسات والشركات على المستوى الداخلي والخارجي. بينما العمل يعتبر دائرة كبيرة تضم الوظيفة، حيث يجب علينا أن ندرك بأن الإنسان دائم العمل في حياتهِ عبر أطر متعددة ومختلفة قد يتوفر بعضها من دون الآخر، على سبيل المثال، العلاقة مع العائلة والأقرباء والأصدقاء، والاستمتاع بالحياة عبر الترفيه وممارسة الهوايات والرياضة، وتتسع الأمثلة إلى الراحة والتأمل، واكتساب المعرفة والمهارات. إذن، العمل يتجاوز كونهُ مجرد وسيلة لكسب الرزق إلى ما يجعل للحياة معنى وقيمة وهدفاً واستمتاعاً وسعادة.
القليل من الدول والحكومات باتت تهتم بتحقيق أعلى مستوى من الرضا والسعادة حول المتطلبات المختلفة من دون احتساب المردود المادي، كاتساع الرقعة الخضراء وأماكن الترفيه والتشجيع على العمل التطوعي وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية لجميع فئات المجتمع من أطفال ويافعين وبالغين ومتقاعدين عن الوظيفة وكبار السن وأصحاب الهمم.
وفي سياق الحياة بين الوظيفة والعمل، باتت الآلات والتكنولوجيا والتقنيات وصولاً للذكاء الاصطناعي وبعقلية تايلورية (فريدريك وينسلو تايلور، مؤسس الإدارة العلمية كنظرية في الإدارة تحلل سير العمل هدفها الرئيسي تحسين الكفاءة الاقتصادية وإنتاجية العمل)، هذه العقلية تهتم بالإنتاج المادي سبباً رئيساً في تناقص عدد كبير من الوظائف والذي يؤثر سلباً في القدرة الشرائية والاستهلاكية والعدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنها وعلى الوجه الآخر تحمل إيجابيات، حيث ستوفر الوقت وتفسح المجال لكي يستمتع الإنسان بالحياة في مختلف شؤونها الاجتماعية والثقافية والترفيهية والبيئية، والتي تجعل للحياة معنى وقيمة واستمتاعاً  مع أهمية حق الدخل وكسب المال عبر المهن والوظائف لتلبية الحاجات الأساسية.
لهذه المقالة حكمة تقول: بما أن الوجود ربط بالتفكير في مقولة «أنا أفكر إذن أنا موجود»، فإن العمل مرتبط بالحياة بمقولتنا هنا «أنا أعمل ما دمت حيّاً».
*كاتب ومحلل سياسي