هذا أسبوع سيئ لإسرائيل، وبحسب كل المؤشرات، لا يبدو أن ذلك يزعج الرئيس الأميركي. فقد نسّق دونالد ترامب عدة خطوط درامية لإيصال رسالة واحدة: سيفعل كل ما يراه يصب في مصلحته الشخصية، حتى لو كان ذلك يعني استبعاد بنيامين نتنياهو.
ليس من قبيل الصدفة أن حركة «حماس» تتعرض لضربات إسرائيلية منذ أكتوبر 2023 في قطاع غزة، أطلقت آخر رهينة على قيد الحياة يحمل جواز سفر أميركياً بالتزامن مع توجه ترامب في جولة إلى الشرق الأوسط تشمل ثلاث دول عربية وتستثني إسرائيل بشكل واضح. وفي مارس، رفضت إدارته عرضاً مشابهاً من «حماس»، احتراماً للمخاوف الإسرائيلية من استبعادها من المفاوضات وتضييق الفرصة لإنقاذ الرهائن الآخرين الباقين على قيد الحياة. هذه المرة، لم تكترث الولايات المتحدة.
الأمر نفسه تكرر الأسبوع الماضي عندما أعلن ترامب فجأة أن الولايات المتحدة ستوقف قصف «الحوثيين» في اليمن. قال الرئيس: «لقد ضربناهم بقوة»، وأضاف: «لقد أعطونا كلمتهم بأنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك». ما لم يُذكر هو أن «الحوثيين» أطلقوا صواريخ على مطار بن جوريون قرب تل أبيب، وأن ترامب لم يستشر رئيس الوزراء الإسرائيلي.
كذلك، فاجأ ترامب نتنياهو فيما يخص التعامل مع طهران. يُصر نتنياهو على تفكيك برنامج إيران النووي بالكامل ويريد قصف منشآتها بمساعدة أميركية. أما ترامب، فيسعى لتجنب الحرب ويريد أن يُحتفى به ك«صانع سلام» (ويُفضَّل أن يكون ذلك بمنحه جائزة نوبل). قال يوم الثلاثاء الماضي، مُغضبا نتنياهو: «أريد عقد صفقة مع إيران. إذا استطعت التوصل إلى اتفاق مع إيران، فسأكون سعيداً جداً».
حتى في سوريا، قد تكون إدارة ترامب على خلاف مع إدارة نتنياهو. فبينما تواصل إسرائيل قصف أهداف عسكرية في سوريا، التي لا تزال تحاول النهوض بعد سقوط بشار الأسد، التقى ترامب الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، هذا الأسبوع في السعودية، وأعلن نيته رفع العقوبات عن الدولة.
لم يقل ترامب الكثير عن الكارثة المستمرة في غزة، ربما يظن أنه لا يستطيع إيقاف نتنياهو في جميع الأحوال ولا يريد أن يُربط اسمه بالكارثة. وإن صحّ ذلك، فهذه علامة أخرى على أن ترامب، خلافاً لبايدن، ليس صديقاً حقيقياً لإسرائيل.
لقد تأثر بايدن بمحادثاته مع قادة إسرائيل منذ عهد جولدا مائير. كان يؤمن برؤية لإسرائيل تعيش بسلام إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة. وفهم أن إسرائيل تحت قيادة نتنياهو ماضية في التحول إلى دولة معزولة دولياً تفقد تدريجياً روحها الديمقراطية. ولهذا ظل يحثّ نتنياهو على تغيير مساره، لكن دون جدوى. وبسبب هذه الجهود، اتهمه «الجمهوريون» بعدم كونه مؤيداً بما يكفي لإسرائيل.
أما ترامب، فيعلن عن دعم إسرائيل عندما يخدمه ذلك سياسياً ولا يكلّفه شيئاً، بتصرفات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس في ولايته الأولى. لم يتبرأ أبداً من حل الدولتين (وهو موقف أميركي قائم منذ عقود)، لكنه لم يفعل شيئاً يُذكر لتحقيقه. وبدلاً من ذلك، فاجأ ترامب نتنياهو إلى جانب الجميع، بإعلانه أن الولايات المتحدة ستقوم «بامتلاك» غزة وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». والآن، بعد أن قرر نتنياهو احتلال القطاع، يبدو أن ترامب تخلى عن الفكرة.
وهناك الانقسام بين الطرفين، فالولايات المتحدة تترك صديقاً قديماً ومقرّباً، إسرائيل، لتصبح الأخيرة معزولة أكثر فأكثر في العالم. ولعقود، كانت المصلحة القومية لإسرائيل جزءاً من حسابات أميركا. الآن، بدأت المصالح تتباعد. كان يجب على بايدن أن يقطع علاقته مع نتنياهو، لكنه لم يفعل. أما ترامب، فهو بالفعل يهمّش نتنياهو، لكن ليس من أجل إسرائيل. بل من أجل نفسه.

*كاتب متخصص في الشؤون الاستراتيجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»