قطيع أبقار يتجمع عند ضفة نهر «أوينز» في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث أجبرت سنواتُ الجفاف سلطاتِ الولاية على إعادة النظر في سياسات استهلاك وتوزيع المياه فيها.

فعلى مدى نصف قرن الماضي، انتقل ملايين الأشخاص إلى لوس أنجلوس، واستقروا في مناطقها الشاسعة، مما تطلَّبَ المزيدَ من الصنابير والمراحيض ورشاشات الاستحمام، وهو ما أدى لمزيد من النفايات والاختناقات المرورية على معظم الطرق.. تجسيداً لكل الصور النمطية حول التوسع العمراني المفرط. الوعي الاستشرافي لسلطات المدينة وسكانها كان له دور كبير في تجنيبها كارثةَ عطش محققة، ولهذا فسكان لوس أنجلوس وشركاتها التجارية يستهلكون الآن كمياتٍ مياه أقل مقارنةً بكميات استهلاكهم السابقة.

ووفقاً لسلطات الولاية، فقد انخفض الاستهلاك بنسبة 43% منذ عام 1990. في ذلك الوقت كان عدد سكان المدينة 3.4 مليون نسمة، وكان استهلاكهم السنوي 680 ألف فدان-قدم من المياه، ومع بلوغ عددهم 3.9 مليون نسمة العام الماضي، لم يتجاوز استهلاكهم 454 ألف فدان-قدم سنوياً.. وفقاً لهيئة مياه لوس أنجلوس. أي أنه رغم ازدياد عدد سكان المدينة، فإن استهلاكها من المياه تراجع بنسبة كبيرة، في حالة قد لا يوجد لها مثيل في العالم. وتحاول مدن أخرى في كاليفورنيا الاقتداء بهذا التوجه، لكن تَجلِّيه الأبرز ما يزال حصراً على المدينة الأكبر في الولاية.

كيف حدث ذلك؟ الأرجح أنه حدث على هيئة تحول تدريجي شمل بعض الإصلاحات البسيطة، مثل تحسين أنظمة السباكة، وتحولات أكبر في الأعراف الاجتماعية والسياسات العامة. خلال معظم القرن العشرين، تشبثت كاليفورنيا بعقلية الاستيطان القديمة التي تستنزف الموارد، فقامت بتشييد المزيد من السدود لتبرير النمو العمراني والزراعي الواسع.

لكن موجتا جفاف كبيرتان، إحداهما في منتصف السبعينيات، والأخرى بين عامي 1987 و1992، هزتا أسطورة كاليفورنيا حول الوفرة اللامتناهية. وأصبح مصطلح «الحفاظ على الموارد» جزءاً من القاموس الشائع. وأقرّت الولاية قوانين تُلزم بترشيد استهلاك المياه، وبدأت نشر إعلانات تحث السكان على تقليل ريّ حدائقهم وتقصير مدة الاستحمام.

ومع مرور الوقت، أصبحت لوس أنجلوس مثالاً يُحتذى به في مجال الحفاظ على المياه. وإن لم يمثل هذا التحول حلاً لمشكلاتها المائية حتى الآن، فإنه أبعد عنها شبح أزمة العطش التي تهدد العديد من مدن العالم، خاصة تلك التي لم تعرف كيف تضع سياساتٍ حكيمةً لترشيد استهلاكها المائي! (الصورة من خدمة «نيويورك تايمز»)