في أميركا عام 2025، من الصعب معرفة ما الذي سنراه أولاً: ملفات قضية إبستين أم محطة طاقة نووية على سطح القمر، حيث تبدو إدارة الرئيس دونالد ترامب أكثر التزاماً بالخيار الثاني. فقد أفادت تقارير بأن وزير النقل والقائم بأعمال رئيس وكالة ناسا، شون دافي، أصدر توجيهاً يستهدف تجهيز مفاعل نووي للعمل على القمر بحلول عام 2030. ويُعد تطوير الطاقة النووية خارج الأرض مشروعاً بحثياً جديراً بالاهتمام.
فإذا أردنا يوماً ما إنشاء مستوطنات دائمة على سطح القمر، فإنها ستتطلب طاقة هائلة لإذابة الجليد، وزراعة الغذاء، وتعدين العملات المشفرة، وما إلى ذلك. وتتميز الطاقة النووية بقلة استهلاكها للوقود لتحقيق إنتاجية عالية، فعلى عكس الطاقة الشمسية، يمكنها الاستمرار في العمل طوال الليل القمري الذي يستمر لأسبوعين تقريباً. وتعمل «ناسا» حالياً على تطوير تصميم مفاعل بقدرة 40 كيلوواط، يُعرف باسم «مشروع الطاقة السطحية الانشطارية». وتبلغ قدرة إنتاج محطة الطاقة النووية النموذجية جيجاواط واحد، أي ما يعادل 25 ألف ضعف ذلك، وحتى تصميمات ما يسمى بالمفاعلات المعيارية الصغيرة عادةً ما تستهدف عشرات الميغاواط، بينما يستهدف دافي وحدة بقدرة 100 كيلوواط. وقد صممت الولايات المتحدة مفاعلات نووية للعمل في بيئات قاسية من قبل، مثل تحت الجليد في غرينلاند أو داخل الغواصات في أعماق المحيط.
لكن تطوير مفاعل يعمل بأمان في مواجهة درجات الحرارة القمرية الشديدة، وانخفاض الجاذبية، والتعرض للإشعاع الشمسي، على سبيل المثال لا الحصر، يتجاوز ذلك بكثير. وسيكون من الضروري أيضاً نقله لمسافة تقارب ربع مليون ميل عبر الفضاء وإنزاله برفق على سطح القمر. إن تكلفة النقل وحدها ستكون «فلكية» حرفياً. فقد حددت «ناسا» سابقاً وزن المفاعل المستهدف بأقل من ستة أطنان مترية. حتى إذا تحقق ذلك، فإن تكلفة شحنه إلى القمر وحدها قد تبلغ 7 مليارات دولار، قبل احتساب تكاليف التصميم والبناء، أي نحو 6000 ضعف التكلفة المقدرة لبناء محطة نووية تقليدية على الأرض لكل كيلوواط. (هذا بافتراض تكلفة توصيل إلى سطح القمر تبلغ 1.2 مليون دولار للكيلوواط، وفقاً لتقديرات شركة أستروبوتيك تكنولوجي عام 2018.
وتبلغ التكلفة التقديرية لتوصيل مفاعل بقدرة 100 كيلوواط 72 مليون دولار للكيلوواط. ويبلغ متوسط التكلفة التقديرية لبناء محطة طاقة نووية تقليدية 11920 دولاراً للكيلوواط، وفقاً لمتوسط أحدث تحليل لشركة لازارد لتكاليف توليد الطاقة). ولا يبدو توجيه الأموال إلى هذا المشروع في وقت ترتفع فيه فواتير الكهرباء المنزلية قراراً موفقاً. وربما تتمكن شركة «سبيس إكس» في المستقبل من خفض تكلفة الشحن بشكل كبير، لكن هذا يفترض أننا جميعاً مرتاحون لفكرة وضع مواد انشطارية على متن صواريخ تتفكك أحياناً وتنتج انفجارات مذهلة، فضلاً عن أن ترامب قد يسمح بإعطاء مثل هذا العقد لإحدى شركات إيلون ماسك.
ومع ذلك، حتى اليوم، لم يحصل سوى مطور واحد، وهو شركة NuScale Power Corp.، على موافقة هيئة التنظيم النووي لمفاعله، ولا توجد مفاعلات تجارية قيد الإنشاء. وقّع ترامب عدة أوامر تنفيذية لإنعاش القطاع النووي الأميركي من خلال تبسيط الموافقات وتوجيه المختبرات الوطنية والجيش للمشاركة، داعياً إلى إطلاق 10 غيغاواط من الطاقة الجديدة بحلول نهاية هذا العقد. وقد وقع ترامب عدة أوامر تنفيذية لإحياء القطاع النووي الأميركي عبر تبسيط الموافقات وتكليف المختبرات الوطنية والجيش بالمساهمة، داعيًا لبدء بناء 10 غيغاواط من السعة الجديدة بحلول نهاية العقد الحالي. ومن الناحية الاستراتيجية، يعتبر الطموح جديراً بالثناء، وهناك مؤشرات على اهتمام متزايد بالطاقة النووية، من شركات الطاقة النووية العملاقة في وادي السيليكون إلى حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوكول. لكن الاهتمام وحده لا يصنع «نهضة نووية»، وخاصة واحدة يمكن أن تُنفذ على نطاق واسع قبل 2030
ليام دينينغ*
*كاتب متخصص في قطاع الطاقة.
*ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»


