لا تدرك الصين وأميركا ذلك بعد، لكن ثورة الذكاء الاصطناعي ستقربهما من بعضهما بعضاً، لا أن تباعد بينهما. سيجبرهما صعود الذكاء الاصطناعي على التنافس بشراسة على الهيمنة، وفي الوقت نفسه وبنفس القوة، على التعاون بعمق لم يسبق لبلدينا أن سعيا إليه.

لن يكون أمامهما خيار آخر. إنني واثق من ذلك لأن الذكاء الاصطناعي يمتلك خصائص فريدة ويطرح تحديات تختلف عن أي تكنولوجيا سابقة. مبدئياً، سينتشر الذكاء الاصطناعي بسرعة البرق، وسيتسلل إلى كل شيء. سيكون في ساعتك، ومحمصة الخبز، وسيارتك، وحاسوبك، ونظارتك، وجهاز تنظيم ضربات القلب - متصل دائماً، جمع البيانات باستمرار لتحسين الأداء.

ومع هذا الانتشار، سيتغير كل شيء - بما في ذلك الجغرافيا السياسية والتجارة بين القوتين العظميين في مجال الذكاء الاصطناعي. وسيصبح التعاون ضرورة يزداد وضوحها شهراً بعد شهر. على سبيل المثال، لنفترض أنك تعرضت لكسر في مفصل الفخذ، وأخبرك طبيب العظام أن أفضل مفصل صناعي في العالم صيني الصنع مزود بذكاء اصطناعي صيني التصميم. يتعرف هذا المفصل باستمرار على جسمك، ويستخدم هذه البيانات لتحسين حركاتك في الوقت الفعلي بفضل خوارزميته الخاصة. إنه الأفضل!

هل ستسمح بزرع هذا «المفصل الذكي» في جسدك؟ أنا لن أفعل - إلا إذا كنت أعلم أن الصين وأميركا اتفقتا على تضمين بنية أخلاقية مشتركة في كل جهاز مزود بالذكاء الاصطناعي تصنعه أي منهما. وعلى نطاق عالمي أوسع بكثير، قد يضمن هذا استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة البشرية فقط، سواء استخدمه البشر أو عمل بمبادرة ذاتية. وفي الوقت نفسه، ستدرك واشنطن وبكين قريباً أن وضع الذكاء الاصطناعي بين أيدي كل إنسان وكل روبوت على هذا الكوكب سيمكّن الأشرار إلى مستويات لم تواجهها أي جهة إنفاذ قانون من قبل.

ومن دون اتفاق بين الولايات المتحدة والصين على بنية موثوقة تضمن أن كل جهاز ذكاء اصطناعي يمكن استخدامه لرفاهية البشر فقط، فإن ثورة الذكاء الاصطناعي ستنتج بالتأكيد قراصنة وتجار مخدرات وإرهابيين ومروجي معلومات مضللة فائقين، وسيسببون زعزعة الاستقرار في أميركا والصين قبل وقت طويل من دخول البلدين في صراع مباشر.

باختصار، إذا لم نتمكن من الوثوق بالمنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من الصين، ولم تتمكن هي من الوثوق بمنتجاتنا، فسرعان ما سيصبح الشيء الوحيد الذي تجرؤ الصين على شرائه من أميركا هو فول الصويا، والشيء الوحيد الذي نجرؤ نحن على شرائه منها هو صلصة الصويا، ما سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف النمو العالمي.

ربما يتهمني أحدهم بالجنون لأنني أشير إلى التعاون بين الولايات المتحدة والصين في تنظيم الذكاء الاصطناعي. فـ«الديمقراطيون» و«الجمهوريون» يتنافسون اليوم فيمن يندد ببكين بصوت أعلى ويتخلص من الارتباط بها أسرع. وقيادة الصين التزمت علناً بالهيمنة على كل قطاع صناعي متقدم، لذلك، فنحن بحاجة إلى التفوق على الصين في مجال الذكاء الاصطناعي الفائق - لا أن نتباطأ لوضع قواعد معها.

ناقشت هذه القضية خلال العام الماضي مع مستشاري في شؤون الذكاء الاصطناعي «كريج موندي»، الرئيس السابق للأبحاث والاستراتيجية في شركة مايكروسوفت. واعتمدت بشكل كبير على أفكار «موندي» في هذا المقال لتوضيح النقاط الأساسية. نحن ندرك تماماً المزايا الاقتصادية والعسكرية والابتكارية الهائلة التي ستعود على الدولة التي تتمكن شركاتها أولاً من تحقيق الذكاء الاصطناعي الفائق - أنظمة أذكى من أي إنسان، ولديها القدرة على تطوير نفسها ذاتياً.

ولهذا السبب، لن تكون الولايات المتحدة ولا الصين راغبتين في فرض الكثير من القيود التي قد تُبطئ صناعاتهما في هذا المجال وتحرمهما من المكاسب الكبيرة المتوقعة في الإنتاجية والابتكار والأمن من خلال نشر الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع. في 23 يوليو الماضي، وقع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً - جزء من خطة الإدارة للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي - لتبسيط عملية الحصول على التصاريح والمراجعات البيئية لتسريع تطوير البنية التحتية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في أميركا. وقال ترامب: «أميركا هي الدولة التي بدأت سباق الذكاء الاصطناعي، وبصفتي رئيس الولايات المتحدة، أود أن أعلن اليوم أن أميركا ستفوز بهذا السباق». ومن المؤكد أن الرئيس «شي جين بينج» يشعر بالشيء نفسه. لا نعتقد، موندي وأنا، أن هذا التفاخر المتعصب سينهي النقاش، ولا أن المناورات التقليدية مؤخراً بين «شي» وترامب لكسب ودّ الهند وروسيا ستغير شيئاً. الذكاء الاصطناعي مختلف جداً، ومهم جداً، ومؤثر جداً - داخل القوتين العظميين في هذا المجال وفيما بينهما - بحيث لا يمكن لكل طرف أن يسلك طريقه منفرداً.

ولهذا نعتقد أن السؤال الجيوسياسي والجيو اقتصادي الأكبر سيكون: هل تستطيع الولايات المتحدة والصين الحفاظ على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي مع التعاون على وضع مستوى مشترك من الثقة يضمن أن يظل دائماً متوافقاً مع ازدهار البشرية واستقرار الكوكب؟ وهل يمكنهما أيضاً توسيع نطاق هذا النظام القيم، ليشمل الدول الراغبة في الالتزام بهذه القواعد نفسها وتقييد الوصول إلى من لا يلتزم بها؟ إذا لم يحدث ذلك، فستكون النتيجة انجرافاً بطيئاً نحو «الاكتفاء الذاتي الرقمي» - عالم مجزأ تبني فيه كل دولة نظام ذكاء اصطناعي خاصاً بها، محاطا بمعايير غير متوافقة وشكوك متبادلة.

سيتضرر الابتكار، وستتفاقم مشاعر انعدام الثقة، وسيزداد خطر الانهيارات الكارثية - عبر صراعات يشعلها الذكاء الاصطناعي أو انهيارات أو عواقب غير مقصودة. لدراسة الخصائص الفريدة والتحديات التي تطرحها تقنية الذكاء الاصطناعي، قسمنا تاريخ العالم إلى ثلاث حقب: عصر الأدوات، وعصر المعلومات، وعصر الذكاء. في كل ثورة تكنولوجية سابقة، كانت الأدوات تتحسن، لكن هرمية الذكاء لم تتغير. فقد ظل الإنسان دائماً الكائن الأذكى على هذا الكوكب. كما كان الإنسان دائماً يفهم كيفية عمل هذه الأدوات، وكانت الآلات تعمل ضمن الحدود التي نضعها لها.

مع ثورة الذكاء الاصطناعي، ولأول مرة، لم يعد هذا صحيحاً. يقول موندي: «الذكاء الاصطناعي هو أول أداة جديدة سنستخدمها لتعزيز قدراتنا الإدراكية، لكنه - بذاته - سيكون قادراً أيضاً على تجاوزها بدرجة هائلة». وفي المستقبل القريب، كما يوضح، سنكتشف أننا لم نخلق مجرد أداة جديدة، بل نوع جديد - آلة فائقة الذكاء. لن تكتفي هذه الآلة بتنفيذ التعليمات، بل ستتعلم وتتأقلم وتتطور من تلقاء نفسها - إلى ما هو أبعد بكثير من حدود الفهم البشري. نحن لا نفهم تماماً كيف تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي حتى بما تفعله اليوم، فضلاً عما ستفعله غداً.

ومن المهم أن نتذكر أن ثورة الذكاء الاصطناعي كما نعرفها اليوم - مع نماذج مثل «تشات جي بي تي» و«جيميني» و«كلود» - لم تكن ثمرة هندسة دقيقة بقدر ما كانت انفجاراً وجودياً. فجاءت شرارتها من قانون للتوسع يقول: «امنح الشبكات العصبية حجماً كافياً، وبيانات تدريب، وطاقة كهربائية، وخوارزمية دماغية مناسبة، وستحدث قفزة غير خطية في التفكير والإبداع وحل المشكلات تلقائياً».

توماس فريدمان*

  • صحفي أميركي

  • ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»