يملك كل فرد أغلى قطعة عقارات في العالم. ففي أعماق دماغك توجد النواة المتكئة، وهي حزمة من الخلايا العصبية بحجم حبة البازلاء. عندما تقوم بشيء مُجزٍ أو تتوقع حدوثه، يُفرز الدوبامين في هذا الجزء من دماغك، مُحفزاً إياك على تكراره. وتنفق الشركات مئات المليارات من الدولارات للسيطرة على هذا النظام من المكافآت. ويستخدم مُعدلو الدوبامين وتجاره برامج كوسائل التواصل الاجتماعي، والمقامرة عبر الإنترنت، وتطبيقات أخرى، لإيصال جرعات سريعة من هذه المادة الكيميائية، مما يُبقيك ترغب في المزيد ويُبعدك عن العالم الواقعي. ويُسمى ذلك الدوبامين الرقمي، الذي يحدث شرخاً في مجتمعنا. من أحد الجوانب هناك عالم الإنترنت، حيث كل شيء فوري وسهل وفردي، ويسهل جني الكثير من المال، لكن القليل من المغزى.
وعلى الجانب الآخر توجد الحياة الواقعية المتقلّصة، حيث يُصنع المعنى. وبصفتي أباً لثلاثة أطفال دون السادسة، لا أريد أن تُبرمج أدمغتهم من قبل الشركات، كما هو الحال مع البرمجيات. وبصفتي عضواً في الكونجرس في اللجنة التي تُشرف على معظم التكنولوجيا والتجارة، أعلم أن هناك قوى أعمق تعمل في قوانيننا وأسواقنا، حيث ركّزت أميركا ميزان القوى لصالح الواقع الافتراضي على حساب واقعنا المادي. إلا أن الوضع على وشك أن يزداد سوءاً. فمن أجل دعم طفرة الذكاء الاصطناعي، تستثمر ميتا وغوغل وشركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى مبالغ طائلة في البنية التحتية، مثل مراكز البيانات ومصانع أشباه الموصلات، وهو أمر لم نشهده منذ عصر السكك الحديدية. ويُدمج الذكاء الاصطناعي في روبوتات العلاقات، والتجارب الغامرة، والغرسات العصبية. ستصبح الهواتف وتقنيات المستهلك الأخرى قريباً أكثر إدماناً. ولإدراك المخاطر، علينا النظر إلى محنة المراهقين، لاسيما الشباب، الذين يقفون في مواجهة عالم الدوبامين الرقمي، إذ إن نواتهم المتكئة شديدة الحساسية، وقشرتهم الجبهية الأمامية، الضرورية للتحكم في السلوك، لا تزال غير مكتملة النمو. وهو ما قد يدفع الشباب إلى السعي نحو التجديد والمكانة الاجتماعية بشكل عدواني.
ولطالما عانت المجتمعات مع هذا الواقع، إلا أن مجتمع اليوم يدفع الشباب إلى المراهنات الرياضية عبر الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تعجّ بالروبوتات، مثل ميتا، التي اعتبرت سياساتها أنه من «المقبول» أن تنخرط الروبوتات في محادثات رومانسية أو حسيّة مع الأطفال. وفي هذا العالم، كل شيء مكافأة رقمية، دون أي جهد حقيقي. وأصبح الشباب هم الأكثر تضرراً، في العمل والحب. ولا يعتبر ذلك فشلاً فحسب، بل هو تحذير من تقنية ستُشبع ثقافتنا قريباً.
ولا يريد الأميركيون ذلك، ويتضح ذلك في احتجاج المشرعين على مستوى الولايات والمحليات من كلا الحزبين عندما حاول «الجمهوريون» في مجلس النواب منع الولايات من تنظيم الذكاء الاصطناعي. لذلك علينا اتخاذ إجراءات لتنظيم عالم الإنترنت وجعل الجهود في الحياة الواقعية أكثر جدوى. ومن ناحية الإنترنت، تُصر لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية على أن تضع شركات الأدوية منتجاتها في عبوات آمنة للأطفال. وينبغي القيام بالشيء نفسه بالنسبة للتطبيقات التي ترفع الدوبامين الرقمي.
ويجب أن توضح الملصقات للبالغين أن استخدام هذه التطبيقات ينطوي على مخاطر، وقد تُقيد القوانين استخدام الأطفال لها. ولتطوير معايير قوية وسليمة تجريبياً، ينبغي لمطوري التطبيقات مشاركة بيانات مجهولة المصدر حول سلوك المستخدمين مع العلماء الذين يدرسون تأثيرات الدوبامين الرقمي، حتى نتمكن من فهم آثار منتجاتهم بشكل كامل. على سبيل المثال، كشفت شركة ميتا مؤخراً في المحكمة أن الأشخاص يقضون، في المتوسط، 7% فقط من إجمالي وقتهم على إنستغرام يشاهدون محتوى من أصدقائهم. ومعظم الأحيان، يشاهدون مقاطع فيديو قصيرة تُوصي بها خوارزميات مُدعمة بالذكاء الاصطناعي. وتُغير هذه الخوارزميات جذرياً شعور الأميركيين بذواتهم ومجتمعهم.
ولا ينبغي أن تكون هذه الخوارزميات أو البيانات أسراراً محجوبة باعتبارها أسراراً داخلية للشركات، ولا باعتبارها أسراراً تجارية محمية بالقانون. وسيكون هذا النهج الطبي أكثر فعالية من إجراءات مكافحة الاحتكار الملتوية. فهذه المنصات ونماذج أعمال «تعدين الدوبامين» تتغير بسرعة. وبدلاً من مطاردة الشركات وهي تتشكّل من جديد، يجب على الجهات التنظيمية التركيز على تلك الحزمة الصغيرة من الخلايا العصبية حيث تتحور دوائر المتعة والألم إلى إدمان. كما يحتاج مجال حياتنا الواقعية إلى تطوير، إذ نحتاج إلى تعزيز اقتصاد يعمل مثل لعبة ليغو، التي تتطلب الصبر والمهارة وتعتمد على البناء الجماعي. تحتاج أميركا إلى بناء خمسة ملايين منزل إضافي، وتوليد جيجاوات إضافية من الطاقة النووية والحرارية الأرضية، وتصنيع سفن أكثر من البحرية الصينية. وفي الحالات التي تُعيقها الحكومة، مثل قوانين تقسيم المناطق التي تحول دون تطوير الإسكان، ينبغي على المشرعين تجاوز البيروقراطية. أما في الحالات التي تُبالغ فيها الشركات في استثمار الوضع الراهن، مثل تكتلات النفط وشركات مقاولات الدفاع، فينبغي على الحكومة تحدي نفوذ الشركات وتوفير فرص متكافئة للشركات الناشئة.
ويحتاج عالمنا الحقيقي تحديداً إلى مزيد من الابتكار فيما يُسمى بالتكنولوجيا المتطورة، حيث تستخدم شركاتها العلوم والهندسة الرائدة لحل أصعب مشاكل العالم المادية، من تغير المناخ إلى الأمراض، من خلال ابتكار تقنيات في مجالات مثل طاقة الاندماج النووي، وعلم الأحياء الخلوي، والروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. كما نحتاج إلى تشغيل المزيد من الأشخاص في مواقع البناء والمصانع، التي تعمل بهذه التكنولوجيا. وإلا ستتأخر أميركا عن الصين. وينبغي لنا أن نؤسّس ألف مدرسة مهنية جديدة في جميع أنحاء البلاد. وبالتعاون مع النقابات العمالية، يمكن لهذه المدارس أن تجنّد الجيل القادم، لاسيما الشباب الذين يواجهون صعوبات في الدراسة، ليكدوا ويجتهدوا في الحياة الواقعية.
*سياسي أميركي وضابط سابق في مشاة البحرية، يشغل منذ يناير 2021 منصب نائب الكونغرس عن الدائرة الرابعة في ولاية ماساتشوستس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


