تدخَّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمشروعه ذي النقاط العشرين، الذي وافق عليه العرب والمسلمون، فتوقّفت الحرب على غزة. وما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد وقف الحرب، لكنّ ترامب قال له: لا تستطيع إسرائيل مقاتلة العالم كله والذي يريد وقف الحرب فوراً! ومن جهةٍ ثانية جمع الرئيس ترامب من حول مشروعه أكثريةَ الرأي العام في إسرائيل، لأنه وضع إطلاق سراح الأسرى (الأموات والأحياء) بيد «حماس» بنداً أول في مشروعه للسلام.
ما هي الدروس التي ينبغي الاستفادة منها بعد مأساة غزة والمآسي المشابهة؟
أول الدروس استعادة الإجماع العربي لقوته وفعاليته وتأثيره في المجالين الإسلامي والدولي. فقد استطاع العرب، باجتماعاتهم المتتالية في الرياض والقاهرة والدوحة ووساطاتهم، أن يحققوا أمرين أساسيين بعد قمة نيويورك (التي دعت إليها الرياض وفرنسا بالأمم المتحدة) واجتماع الثمانية (العرب والمسلمين) بالرئيس ترامب، أولهما الضغوط الفعّالة لوقف الحرب في غزة، حيث انطلقت الولايات المتحدة في ذلك وتحقق الجزء الأول منه على الأقلّ. وثانيهما تجديد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية بموافقاتٍ عالمية، حيث اعترفت 154 دولة عضواً في الأُمم المتحدة بدولة فلسطين. فالإجماع العربي الذي فقد قوتَه المؤثرةَ منذ احتلال الكويت، عادت إليه فعاليتُه وتأثيره بل وإنجازاته. وهكذا يكون أول الدروس المضيُّ قُدماً في الوحدة والتقرير والفعالية والتغلب على التحديات. وثاني تلك الدروس بدء نهاية طغيان الميلشيات المسلحة على السلطات في الدول الوطنية. فمن ضمن اتفاق وقف النار في غزة، إنهاء سيطرة «حماس» و«الجهاد» وغيرهما على القطاع بعد أن تسببتا في تدميره، ونزع السلاح وإحلال إدارة مدنية تجري في ظلها إعادة التوحيد للقطاع مع الضفة الغربية. وما جرى في غزة ينبغي أن يجري في لبنان وفي اليمن وفي سوريا. ففي هذه البلدان وغيرها تتغوّل الميلشيات المسلحة منذ عقدٍ أو عقود، مرةً بحجة التحرير، ومرةً لإنفاذ توجيهات خارجية، ومرةً لصنع الانفصال. وما جرى خلال عقدين أو ثلاثة ما كان فيه تحرير، بل تدميرٌ للدول وتقسيم لمجتمعاتها. هناك دول وطنية عربية ناهضة هي التي قامت بجهودٍ جبارة في عملية استعادة القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية الماضي مشروعُها إلى الأمام. وعلى الدول التي تعاني من طاغوت الميلشيات أن تكثّف جهودها للتحرير من هذه الميلشيات وسلاحها وسطوتها. لا ينبغي أن تظل الدول مرتعبة، فالدول المعافاة إنْ لاحظت همّةً من جانب السلطات الوطنية للخلاص من تنظيمات الفوضى والفساد، فإنها تساعدها كما فعلت وتفعل مع سوريا الجديدة. على مَن يعتمد اللبنانيون واليمنيون في التخلص من ميلشياتهم إن لم يعتمدوا على سلطاتهم الوطنية؟
وثالث تلك الدروس أن مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي منوطٌ بقوة السلطات وبسياساتها في الوحدة الداخلية وفي التنمية المستدامة وفي استيعاب الأجيال الجديدة ضمن عمليات التقدم. وهي السياسات التي نجحت في الإمارات والسعودية ودول عربية أخرى. والأمل أن تنجح في سوريا وفي غزة أيضاً. دول من دون ميلشيات أهم عوامل النجاح.
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية


