تضع الحرب أوزارها أخيراً، بعد تدمير معظم مظاهر الحياة في غزّة. وقد حان الوقت لأن تسير خطة السلام على ما يرام، ويعود المحتجزون الإسرائيليون إلى ديارهم، ويُحرَّر مئات الأسرى الفلسطينيين، وتتدفق المزيد من المساعدات الإنسانية على القطاع، بعد صمت البنادق، لتبدأ غزة حياة جديدة لم تشهدها منذ 24 شهراً.لقد شكّلت خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المكونة من 20 نقطة، بالتعاون مع الوسطاء والقوى العربية والإسلامية، أساساً للسلام في غزة، بعد أن كان الأمل مفقوداً في وقف الحرب، حيث أسهم اجتماع نيويورك، في منتصف سبتمبر 2025، مع القوى العربية والإسلامية الرئيسية في ملف غزة، في تسريع هذا الزخم لإنهاء الحرب، وتلته المفاوضات في شرم الشيخ التي أوصلتنا إلى الاتفاق على المرحلة الأولى من خطة السلام.
وقد مارس الوسطاء والقوى الإقليمية ضغوطاً للوصول إلى هذه النقطة، إذ إنّ وقف الحرب سينُقذ الأرواح، ويثبّت وقف إطلاق النار، ويُطلق سراح الأسرى والمحتجزين، ويسمح بعودة النازحين من جنوب القطاع إلى مدينة غزة وشمال القطاع، لبدء إعادة الإعمار، ورسم مستقبل غزة.
ويبدو أن الرئيس الأميركي لم يُقدم خطة لإنهاء الحرب فقط، بل قدّم أيضاً ضمانات مع الوسطاء بعدم العودة إلى الحرب من جديد. إن مثل هذه الضمانات كانت عاملاً أساسياً في التوصل إلى الاتفاق القائم، الذي دخل حيز التنفيذ، حيث تُشرف قوة مهام عسكرية، تقودها الولايات المتحدة، على وقف إطلاق النار، والتعامل مع أي انتهاكات محتملة.
وعلى أرض الواقع، بدأ انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة، وفُتحت المعابر لدخول شاحنات المساعدات بوتيرة تقترب من فترة ما قبل الحرب، مع الاستعداد لتسليم المحتجزين الأحياء والجثامين من الإسرائيليين، لتنفيذ عملية التبادل بإشراف دول الوساطة (مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا) مقابل إطلاق سراح ما يقرب من 2000 فلسطيني من السجون الإسرائيلية.
ومع الانتهاء من تلك الخطوات، ستنطلق المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق لبحث استكمال الانسحاب، وضمان وقف دائم للحرب، وطَيّ صفحة أرهقت المنطقة كلها، وفتح الآمال في غدٍ يُصلح للحياة، ومستقبل يرفض العودة للقتال، إذ إن الحرب أرهقت كل الأطراف، وكلفتهم تكلفة باهظة على كل الصُّعُد. وربما يسمح الوقت بفرصة للفلسطينيين لتجاوز انقساماتهم، استعداداً لتحديات المستقبل، والقيام بمهام السلطة كاملة عبر إصلاحات وآليات شفافة تغيّر الواقع القائم.
وقد أُرجئت نقاطٌ حاسمة في خطة السلام إلى مراحل لاحقة، وهي حاسمة في رسم مستقبل القطاع ما بعد الحرب، أبرزها نزع سلاح «حماس» والفصائل الفلسطينية، وعدم مشاركة الحركة في حكم غزة، إذ إنها ذهبت بالقطاع نحو الهاوية عندما نفّذت هجوم 7 أكتوبر 2023، وعليها أن تتنحى جانباً عن الحكم، وتترك السّلطة في القطاع لحكم مستقل لا يغامر بحياة الفلسطينيين في المستقبل.
وتحتاج غزة والمنطقة إلى ضمانات بعدم استئناف الحرب، بعد هذه المرحلة، إلى اختبار على الأرض. ولنجاح ذلك، فإنه على القوى العربية والإسلامية، بالتعاون مع الولايات المتحدة والقوى الدولية، استكمال الطريق نحو حل الدولتين، والتحول من اتفاق مرحلي إلى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لاستدامة السلام في الشرق الأوسط، والتوجّه نحو سياسات التنمية والازدهار، لا الحرب والتدمير والخراب.
إنّ الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة فرصة يجب استغلالها من كل الأطراف، حتى لا يصبح مؤقتاً لمجرد التقاط الأنفاس، أو الاستعداد للجولة التالية من الصراع، بعد شهور أو سنوات. ولن يتأتى ذلك إلا باستكمال خطة السلام في جوانبها الأمنية والسياسية والاقتصادية، بما في ذلك إعادة الإعمار، وصولاً إلى وجود حلّ جذري للصراع بضمان دولي، وإلا فسيأتي يوم آخر يُرسّخ واقعاً على الأرض، ويفتح الباب أمام حروب جديدة في المستقبل.
*باحث مركز تريندز للبحوث والاستشارات.