أتمنى أن يُغدق الثناء على الرئيس دونالد ترامب، إذا نجحت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك لثلاثة أسباب قد تؤثر على مستقبل منطقة الشرق الأوسط وكذلك الولايات المتحدة.
أولاً، لأن الوصول إلى تلك المرحلة كان صعباً للغاية، فقد تطلب الأمر تصويب جيوسياسي، يصيب الهدف ويكسب في الوقت نفسه ثقة إسرائيل، وحماس، وقطر، وتركيا، والسلطة الفلسطينية، قبل أن يستقر في غزة. كان هذا الإنجاز في غاية الصعوبة، لكن الرئيس أحسن صنعاً هو وفريقه على هندسة هذا المسار.
ثانياً، هذه مجرد المرحلة الأولى من خطة متعددة المراحل. لذا، إذا نجح ترامب في هذه المرحلة المبكرة، ونال الإشادة لنجاحه في تنفيذها، فإن ذلك سيضمن استمراره في الالتزام بالدفع بالمراحل اللاحقة من خطته للسلام. وهي المراحل الأكثر صعوبة، وتتطلب من ترامب الالتزام الكامل، وعليه أن يدرك أنه حتى لو لم يكن مهتماً بالتاريخ الفلسطيني أو اليهودي، فهما الآن مهتمان بك اهتماماً بالغاً.
سيتعين على ترامب الإشراف على نزع سلاح «حماس»، وتجنيد وتطوير قوة أمنية متعددة الجنسيات لملء الفراغ الذي سينشأ عند انسحاب إسرائيل، وإعادة بناء غزة من الصفر، وتشكيل حكومة انتقالية لإدارة شؤونها. وسيتم كل ذلك تحت أنظار حكومة إسرائيلية تشك بشدة في أن«حماس» قد تُعيد تنظيم صفوفها.
قال ترامب لمجلس وزرائه يوم الخميس الماضي: «أنهينا الحرب في غزة، وعلى نطاق أوسع بكثير، صنعنا السلام.. ونأمل أن يكون سلاماً دائماً في الشرق الأوسط». ونأمل ألا يكون مصدقاً لذلك، لأنه سيعمل على ملف غزة طوال فترة رئاسته. مع ذلك، إذا نجح تطبيق المراحل الأصعب، فإنه قد يحيي إمكانية حل الدولتين بمرور الوقت، وفق صيغة جديدة كلياً تجمع بين الإدارة الفلسطينية والعربية والدولية لمستقبل غزة. وإذا نجحت تلك الصيغة، فقد يتم تطبيقها على الضفة الغربية.
أعتقد أن فريق ترامب قد ابتكر نموذجاً جديداً مثيراً للاهتمام للتعامل مع مستقبل الأراضي المحتلة، لأن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعودوا قادرين على حل صراعهم بأنفسهم. فبعد حرب غزة، لم تبق ذرة ثقة بينهما.، وبعدما انتهت أدوات التعاون، سيحتاج الطرفان إلى ضامنين دائمين من الولايات المتحدة والعالم العربي لتحقيق السلام.
وإذا أعاد ترامب تطبيق جميع مراحل تلك الخطة وبناء مسار لتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فسيكون جديراً بالحصول على جائزة نوبل للسلام، بل بجائزتين.
أما السبب الثالث الذي يجعلني آمل أن ينال ترامب التقدير على هندسة خطة السلام لا علاقة له بالشرق الأوسط، حيث
بدأت «حماس» هذه الحرب في 7 أكتوبر 2023، جزئياً لتدمير خطة بايدن التي بدأت بإصلاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، خصم «حماس» اللدود، والتي تبنت اتفاقيات أوسلو للسلام. ووفقاً لخطة بايدن، كان من المفترض أن يُمهد إصلاح السلطة الفلسطينية الطريق لمفاوضات مع إسرائيل حول حل الدولتين، وفي المقابل، كان من المفترض أن تُوقع الولايات المتحدة والسعودية معاهدة أمنية.إلا أن «حماس» لا ترغب في رؤية أي تقدم فلسطيني نحو اتفاق لحل الدولتين تقوده السلطة الفلسطينية، فضلاً عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. فذلك من شأنه وضع إيران وحماس في عزلة شديدة. والآن، أصبحتا بالفعل معزولتين ومدمرتين عسكرياً.
ومن جانبه، خاض نتنياهو الحرب منذ اليوم الأول على أمل أن تُفضي إلى سيطرة إسرائيلية دائمة على غزة، عبر قوى محلية عميلة لا تشمل حماس ولا السلطة الفلسطينية. وسعى نتنياهو باستمرار إلى نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية حتى لا توجد هيئة تفاوضية فلسطينية معتدلة واحدة تُمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، الأمر الذي كان من شأنه أن يُؤدي فوراً إلى ضغوط دولية للتفاوض على حل الدولتين.
إلا أن نتنياهو حصل على عكس ما يريده، فرغم أن خطة ترامب لا تعد بقيام دولة فلسطينية، لكنها تنص على أنه مع تقدم عملية إعادة تطوير غزة وتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، «قد تتهيأ الظروف في نهاية المطاف لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة، وهو ما نُقر به بوصفه طموح الشعب الفلسطيني».
ولعب نتنياهو اللعبة تماماً وفق قواعد ترامب، ووضع نفسه بالكامل بين يديه. فعلى مدار العام الماضي، وأثناء انتهاجه سياسة الأرض المحروقة في غزة، وجه نتنياهو رسائل ازدراء إلى العالم وأوروبا و«الديمقراطيين» في الولايات المتحدة واليهود الأميركيين الليبراليين، وحلفاء إسرائيل العرب، وحتى «الجمهوريين» المعتدلين. قال لهم جميعاً: فلتذهبوا إلى الجحيم». لقد وضع مصير إسرائيل كله في يد ترامب، معتقداً أنه عندما طرح ترامب خطته الأولى بشأن غزة، وهي خطة خيالية تقضي بإخراج جميع الفلسطينيين من القطاع وتحويله إلى ريفيرا جديدة، فإن ترامب منحه بذلك تفويضاً مطلقاً لتدمير غزة.
وعبر جيدي غرينشتاين، عضو فريق التفاوض الإسرائيلي في كامب ديفيد عام 2000، قائلاً:«تُقدم خطة ترامب، المُكونة من 20 نقطة، فرصة محورية ليس فقط لإحلال السلام في غزة وتحرير الرهائن، بل ولإعادة إرساء المبادئ الأساسية الراسخة للعملية الدبلوماسية الإسرائيلية العربية والإسرائيلية الفلسطينية منذ اتفاقيات كامب ديفيد عامي 1978 و1979».
ويوضح غرينشتاين أن ترامب «رسخ مبدأ عدم القيام بأي عمليات ضم أحادية الجانب في غزة أو الضفة الغربية؛ وأن سلطة فلسطينية مطورة ومُحسنة ستكون الكيان الحاكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي المستقبل، في غزة». وأضاف أن الأفق السياسي يتضمن إشارة من ترامب إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وهو ما يعني فعلياً «نوعاً من الانفصال السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين».
كما قلتُ، إن مجرد إيقاف هذه الحرب المروعة، إذا استمر، يستحق الإشادة ويستحق عناوين أخبارية رائعة. لكن تنفيذ هذه الخطة برمتها سيدون تاريخياً وسيستحق جوائز نوبل. وإذا أدرك ترامب ما هو النهج الفعال الذي اتبعه في الشرق الأوسط، أي الحكم من خلال الحشد لا بالتقسيم، سيصبح في الواقع رئيساً أفضل بكثير في بلاده. وسيكون ذلك بمثابة معجزة.
*كاتب صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


