في غضون أيام قليلة، سيفتح معرض دبي للطيران أبوابه مجدّداً ليقدّم للعالم مشهداً أصبح عنواناً ثابتاً لهيبة الإمارات وتقدّمها. وفي كل دورة من دوراته، يزداد حضوره وزناً وسط خريطة المعارض الدولية، حتى بات محطةً لا يكتمل المشهد الجوي والدفاعي العالمي دونها.
وفي دورة هذا العام، يشارك مجلس التوازن للتمكين الدفاعي «توازن» في المعرض، مسلِّطاً الضوء على دوره المحوري في تمكين قطاع الصناعات الدفاعية والأمنية في الدولة، في إطار رؤيته الرامية إلى بناء منظومة دفاعية متطورة، ومستعدة لمواجهة تحديات المستقبل، ومجسّداً التزامه بتعزيز الشراكات الاستراتيجية وتحفيز الابتكار في مختلف مكونات القطاع الدفاعي. ومعرض دبي للطيران، وهو يستعد لفتح أبوابه خلال أيام قليلة، لم يعد في نظري مجرد موعدٍ دوري في أجندة الفعاليات العالمية، بل تجربة وطنية متكاملة تُدار بعقلية دولة تعي ثقلها وتعرف كيف تصوغ حضورها.
وكلما تعمّقت في الاطّلاع على تفاصيل التنظيم والأرقام والإحصاءات المرتبطة بهذه الدورة، ازداد يقيني بأن ما تقدمه الإمارات تجاوز إطار المعرض التقليدي إلى منصة لصناعة المستقبل. ومن هذا الشعور تحديداً أكتب هذه السطور، شعور يمزج بين الفخر الوطني، والانبهار المهني، والإدراك العميق بأن الإمارات ترسم من خلال هذا الحدث صورة أوسع وأعمق من مجرد صفقات أو عروض جوية.
وعلى الرغم من قِصر الفترة التي أمضيتها في هذا القطاع، إذ لم ينقضِ عام واحد منذ توليت مسؤولياتي أميناً عاماً لمجلس التوازن للتمكين الدفاعي، فقد منحتني الزيارات التي قمت بها خلال هذا العام لبعض المعارض الدفاعية الدولية فرصة قراءة المشهد العالمي عن قُرب. رأيت دولاً عريقة في الصناعة تمتد خبرتها لعقود طويلة، تستعرض تاريخها ومنتجاتها ونماذجها التشغيلية، وكنت في كل زيارة أقارن بهدوء بين ما تعرضه تلك الدول وما تقدمه الإمارات اليوم. ووجدت نفسي أصل في كل مرة إلى الحقيقة ذاتها: أن معارض الإمارات - من IDEX وNAVDEX إلى معرض دبي للطيران - ليست فقط بمستوى المنافسة، بل تفوّقت في التنظيم، وفي جودة المشاركة، وفي جاذبية الحضور الدولي، وفي قدرتها على تحويل المعرض إلى مساحة للتفكير الاستراتيجي واستشراف المستقبل، لا مجرد صالة عرض لتقنيات الطيران والدفاع.
إنّ حضور الإمارات في معرض دبي للطيران ليس حضور جهة مستضيفة فحسب، بل حضور دولة تصوغ مستقبل صناعاتها الدفاعية وتفتح نافذة على رؤيتها العالمية. فالمعرض لم يُعد يُقاس بعدد الطائرات المعروضة أو حجم الصفقات المعلنة فقط، بل بمستوى النضج المؤسسي الذي ينعكس في قدرة دولة الإمارات على توظيف هذا الحدث لبناء شراكات طويلة الأمد، وتوسيع قاعدة صناعاتها الدفاعية، وتطوير الكفاءات الوطنية، وترجمة رؤيتها للتنمية الشاملة والمستدامة إلى مبادرات ملموسة.
ومن هذا المنظور، تبدو مشاركة مجلس التوازن امتداداً طبيعياً لدوره في تمكين منظومة وطنية متطورة ومستدامة للصناعات الدفاعية، قادرة على تلبية متطلبات المستقبل وتعزيز مكانة الإمارات في عالم متسارع التغيّر.
ومن هنا، فإنني أدعو كل المهتمين بهذا القطاع - من المختصين والباحثين والدارسين، إلى المبدعين وأصحاب الأعمال الرائدة - إلى زيارة هذه الدورة من معرض دبي للطيران، فهي فرصة للاطلاع عن قرب على ما يقدَّم اليوم من تقنيات وحلول صناعية ورؤى تشغيلية ترسم ملامح المستقبل القريب. إنّ وجودكم، وتفاعلكم، وقراءتكم المتعمّقة لما يعرض من تقنيات وشراكات، يمكن أن يجعل من هذه الدورة منارة تُشعّ منها آفاق جديدة للصناعات الدفاعية الإماراتية، وتعبّر عن مدى ما تختزله الدولة من قدرات وطموحات ورؤية بعيدة المدى. ولا يمكن أن نغفل، في هذا السياق، الجهود الهائلة التي تقف خلف هذا الإنجاز الوطني.
فالقائمون على هذا الحدث العالمي - من القادة الداعمين، إلى الشركاء والرعاة، إلى المؤسسات الوطنية المشاركة - يستحقون أسمى آيات التقدير والعرفان. كما لا يسعني إلا أن أخصَّ بالشكر فرق التنظيم التي أعلم يقيناً أنها تعمل منذ شهور طويلة بوتيرة عالية، بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، لتقدّم للعالم معرضاً يليق باسم الإمارات، ويجسّد قدرتها على استضافة فعاليات عالمية بهذا المستوى من الحرفية والدقة والهيبة. وما نشهده في معرض دبي للطيران ليس فعالية عابرة، بل شهادة حية على رحلة الإمارات في بناء القوة بقدر ما تبني الفرص، وفي صناعة المستقبل بقدر ما تستشرفه.
ومع كل دورة من دورات هذا المعرض، يتأكد لنا أن الوطن يمضي بثقة نحو مكانته المستحقة بين الأمم، مستنداً إلى قيادة لا تعرف التردد، ورؤية لا تعرف الحدود، وطموح يليق بدولة صنعت من السماء فضاءً للتميّز، ومن الصناعة منصة للريادة، ومن شراكاتها الاستراتيجية جسراً يعبُر به العالم إلى مستقبل أكثر أمناً واستقراراً وابتكاراً.
*الأمين العام لمجلس التوازن للتمكين الدفاعي.


