كانت زيارتي إلى روما محطة لها مكانتها الخاصة في القلب، فقد جاءت في مناسبة وطنية عزيزة، جمعتني بأبنائنا الطلبة الإماراتيين في ملتقى خاص بمناسبة «عيد الاتحاد»، بدعوة كريمة من الريم الفلاسي، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة.
وكانت هذه المبادرة جزءاً من التوجيهات السامية لـ «أم الإمارات»، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، التي تولي التعليم، وتمكين الشباب، والاهتمام بأبنائنا في الخارج أهمية كبرى، وتحرص دائماً على أن يشعروا بقرب الوطن ودعمه أينما وجدوا، لاسيما في «عام المجتمع»، الذي يسلّط الضوء على ترابط الأسرة ودورها المحوري في بناء الإنسان. وكان للاستقبال الكريم من السفير عبدالله السبوسي أثره الجميل منذ اللحظة الأولى. فقد كان خير مستضيف، وافتتح اللقاء بكلمة مؤثرة أضافت عمقاً ودفئاً للملتقى، ثم تفضل بتقديمي للطلبة بكلمات تعكس اهتمامه وحرصه ورعايته الدائمة لشؤونهم، ودوره الحيوي في دعم مسيرتهم التعليمية والثقافية في الخارج.
بدأ اللقاء بجلسة صادقة جمعت القلوب على محبة الإمارات، تحدثنا فيها عن تاريخ الدولة وتأسيس الاتحاد، وعن تلك اللحظة المفصلية التي جمعت رؤى الآباء المؤسسين بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لصناعة وطن وُلد ليبقى، وبُني ليزدهر عبر الأجيال. أكدت للطلبة أن الاتحاد لم يكن حدثاً سياسياً فحسب، بل كان مشروع حياة، ورؤية إنسانية تهدف إلى تمكين الإنسان الإماراتي وتعزيز دوره ليكون جزءاً من مسيرة بناء الوطن. وانطلاقاً من «عام المجتمع»، تطرق الحديث أيضاً إلى الأسرة باعتبارها أول وطن ينشأ فيه الإنسان، وأهم مدرسة للهوية والقيم والانتماء. شددت على أن قوة المجتمع تبدأ من قوة الأسرة، وأن دعم الإمارات للأسرة لم يكن شعاراً، بل سياسة ثابتة امتدت لعقود بفضل رؤية «أم الإمارات» واهتمامها العميق ببناء الإنسان وتأهيله.
وتحدثنا بعد ذلك عن أهمية التعليم باعتباره حجر الأساس في نهضة الدولة. أوضحت للطلبة أن الاستثمار في الإنسان هو سر تميز الإمارات، وأن الوطن ينتظر منهم أن يعودوا بخبرات متقدمة تسهم في مسيرته المستقبلية.
وخلال المحاضرة، طرحت سؤالاً مهماً: لماذا تبتعث دولة الإمارات أبناءها للدراسة في الخارج رغم أننا نمتلك اليوم بعضاً من أفضل الجامعات في المنطقة؟ وكانت الإجابة واضحة: إن التعليم في الخارج لا يمنح شهادات فقط، بل يضيف قيمة كبيرة من خلال نقل المعرفة وجلب ما هو جديد من أفكار وتكنولوجيا وتجارب عالمية، مما يوسع آفاق الطلبة ويمنحهم قدرة أعلى على الابتكار والإبداع. وامتد النقاش لمدة ساعة ونصف، استعرضنا خلالها تجاربنا الشخصية عندما كنا طلبة، وتحدثنا عن التحديات التي واجهتنا، والنجاحات التي تحققت، والإخفاقات التي تحولت إلى محطات تعلم. كان الحديث صادقاً وواقعياً، يهدف إلى تقديم خلاصة التجربة للجيل الجديد.
وخلال الغداء، استمر الحوار بروح ودية أكثر عمقاً، حيث تبادل الطلبة أمثلة من حياتهم اليومية، وشاركناهم قصصاً من مسيرتنا العملية والعلمية، مؤكدين أن طريق النجاح يحتاج إلى صبر وثبات، وأن التميز هو قيمة إماراتية أصيلة يجب أن ترافقهم في كل خطوة. غادرت روما وأنا أحمل شعوراً جميلاً بأن أبناء الإمارات، مهما ابتعدوا يظلون نبض الوطن وسفراءه الحقيقيين، وامتداداً لمسيرته المباركة.
*لواء ركن طيار متقاعد.


