مع اقتراب نهاية عام 2025، يبدو الشرق الأوسط، وكأنه يقف مرة أخرى عند مفترق طرق، ليس لأن الأزمات جديدة، بل لأن طريقة إدارتها لم تعد كما كانت. هذا العام لم يكن عاماً عادياً في سجل المنطقة، بل كان عاماً تراكمياً، تكاثفت فيه الأزمات القديمة مع تحولات جديدة فرضت نفسها بقوة الواقع، وأجبرت الجميع، دولاً وشعوباً، على إعادة التفكير في مفاهيم الأمن، والاستقرار، والتحالفات، وحتى في معنى الدولة ودورها.
والقضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة بقوة، ليس عنواناً سياسياً تقليدياً، بل جرحاً مفتوحاً أعاد طرح الأسئلة الكبرى حول العدالة والشرعية وحدود القوة. ما شهدته غزة، خلال هذا العام، تجاوز كونه مواجهة عسكرية، ليصبح اختباراً أخلاقياً وإنسانياً للنظام الدولي بأسره. والصور، الأرقام، والمعاناة اليومية كشفت بوضوح أن إدارة الصراع دون أفق سياسي حقيقي لم تعد ممكنة، وأن الشعوب في المنطقة باتت أكثر وعياً بتكلفة الاستمرار في الدوائر المغلقة، وأكثر تشككاً في جدوى الخطابات التي لا تحمي الإنسان، ولا تصنع سلاماً.
في الوقت نفسه، ظل التوتر الإيراني-الإسرائيلي أحد أخطر ملامح عام 2025، ليس بسبب حرب شاملة، بل لطبيعة الصراع غير المعلن الذي تمدد عبر ساحات متعددة. المواجهة لم تعد تُقاس بعدد الصواريخ فقط، بل بحروب الظل، والعمليات الاستخباراتية، والهجمات السيبرانية، ورسائل الردع المتبادلة. هذا النمط من الصراع خلق حالة قلق دائم في الإقليم، ودفع العديد من الدول إلى تعزيز استراتيجياتها الدفاعية، وبناء توازنات دقيقة تقوم على تجنب الانجرار إلى مواجهات لا يمكن السيطرة على مآلاتها.
في مقابل هذه التوترات، برز مسار آخر لا يقل أهمية، تمثل في عودة الدبلوماسية خياراً اضطرارياً لا ترفاً سياسياً. فكثير من دول المنطقة أدركت أن الاستنزاف المستمر يهدد مشاريع التنمية والاستقرار الداخلي، وأن خفض التصعيد، حتى دون حلول نهائية، بات ضرورة استراتيجية. وهذا الإدراك انعكس في محاولات تهدئة، وفتح قنوات تواصل، وإدارة الخلافات ببراغماتية أكبر، بعيداً عن منطق الصدام المفتوح الذي أثبت فشله على مدى سنوات.

اقتصادياً، كشف عام 2025 عن شرق أوسط من مستويين. دول استطاعت أن تمضي قدماً في مشاريع التنويع الاقتصادي، والاستثمار في التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والسياحة، والخدمات، وبدأت تجني ثمار رؤية طويلة المدى. وفي المقابل، دول أخرى لا تزال عالقة في أزمات مالية حادة، وديون متراكمة، وضعف في الإدارة والحوكمة، ما عمّق الفجوة داخل الإقليم نفسه، وأعاد طرح سؤال العدالة التنموية والاستقرار الاجتماعي.

أما على المستوى المجتمعي، فقد كان هذا العام شاهداً على تحولات هادئة، ولكن عميقة. جيل شاب أكثر اتصالاً بالعالم، وأكثر حساسية تجاه قضايا الكرامة والفرص، وأقل انخداعاً بالشعارات، بدأ يفرض حضوره في النقاش العام. هذا الجيل لا يبحث فقط عن هوية سياسية، بل عن مستقبل قابل للحياة، وعن تعليم، وعمل، واستقرار، وهو ما يضع تحدياً حقيقياً أمام صناع القرار في المنطقة.مع نهاية 2025، لا يمكن الحديث عن شرق أوسط مستقر، لكن يمكن الحديث عن شرق أوسط في طور إعادة التشكّل. كثير من المسلّمات القديمة لم تعد صالحة، والتحالفات لم تعد ثابتة، ومفاهيم القوة نفسها باتت أكثر تعقيداً. المنطقة تتحرك بين الخوف من الانفجار، والرغبة في التهدئة، وبين إرث ثقيل من الصراعات، وطموح مشروع نحو مستقبل أكثر عقلانية.
ربما لا يحمل عام 2025 إجابات نهائية، لكنه بالتأكيد طرح الأسئلة الصحيحة. وأسوأ ما يمكن أن يحدث للمنطقة ليس استمرار الأزمات، بل تجاهل الدروس التي كشفتها. فالتاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه، والمستقبل لا ينتظر من يتأخر عن قراءة لحظته كما هي، لا كما يتمنى أن تكون.
*لواء ركن طيار متقاعد.