بعد عملية بيروقراطية طويلة ومربكة، خرجت إلى الوجود أخيراً قيادةٌ عسكرية أميركية للفضاء خلال الأسبوع الماضي. ورغم أن مصطلح «قيادة فضاء» قد يبدو شيئاً يحيل إلى المستقبل، إلا أن الصعوبة التي تلاقيها الإدارة الأميركية في إنشاء القوة الفضائية المرتبطة بهذه القيادة لا تبشّر بالخير بالنسبة لمستقبل أميركا في سباق الفضاء الجديد. كما أن عدم انسجام السياسات بخصوص الفضاء ستكون له عواقب خطيرة. وأي رؤية خاطئة يمكن أن تكون مؤذية لمستقبل الولايات المتحدة، وللكوكب برمته.
الرئيس دونالد ترامب بدا متحمساً بشأن استراتيجية فضائية عسكرية منذ تقلده منصبه. وكان قد أشار إلى فكرة «قوة للفضاء» في مارس 2018 ووجّه البنتاجون بإنشاء قوة من هذا النوع في يونيو من ذالك العام. لكن خلافاً للهجرة أو الجريمة، وهما موضوعان يعود إليهما بشكل متكرر، ترك ترامب موضوع إنشاء قوة فضاء منفصلة كفرع جديد من القوات المسلحة لنقاش عام صاخب.
وهذا أمر لا يجوز لأن لدى الفرع الفضائي الجديد دوراً مهماً ليلعبه. ففي المستقبل، ومع ظهور أساليب حربية جديدة في هذا المجال، ستحتاج الولايات المتحدة إلى ثقافة وخبرة متميزتين تركزان على هذا المجال من أجل الحفاظ على تفوقها العسكري، وحماية نفسها من أنواع جديدة من الهجمات، وتطوير المهارات التي ستتيح عمليات الاكتشاف مستقبلا.
ويُعتبر إنشاء فرع فضائي مستقل بالغ الأهمية من أجل الحفاظ على تفوق أميركي في الفضاء. فهذا الفرع أساسي بالنظر إلى الأهمية المتزايدة للفضاء، ليس فقط من ناحية الأمن القومي، ولكن أيضاً من أجل تأمين قطاع تجارة الفضاء المتنامي.
غير أن سعي الإدارة إلى إنشاء هذا الفرع عانى من تدخلات بيروقراطية وعدم انسجام السياسات، ولم يقتصر ذلك على البيت الأبيض. ففي مايو الماضي، اعتمدت لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ تشريعاً من شأنه إنشاء فرع عسكري منفصل خاص بالفضاء يقف إلى جانب أفرع قائمة مثل الجيش والبحرية. لكن في يوليو الماضي، مررت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب رؤية محدودة أكثر، فأُنشئ «فيلق للفضاء» داخل دائرة القوة الجوية. وهو ما جعل مجلسي الكونجرس متباعدين بخصوص فهمهما لما ينبغي أن تكون عليه مقاربة الجيش للفضاء.
غير أنه إذا كان الكونجرس مرتبكاً، فإن المشرّعين على الأقل يحاولون فعل شيء ما. فالبنتاجون الذي كلّفه ترامب بالاشتغال على مقترح فرع منفصل خاص بالفضاء، كان يعارض إنشاء فرع منفصل منذ البداية؛ حيث أسكتت القيادةُ نقاشاً سياسياً جدياً داخل القوة الجوية حول كيف ينبغي للفرع أن يكون، وأصدرت «أمراً بالصمت» بخصوص الدعوات إلى إقامة فرع خاص بالفضاء.
وكان من نتائج ذلك أن تُركت مناقشة موضوع ذي تداعيات تاريخية لأشخاص لا يفهمون كيف ينظر مفكرو الفضاء العسكريون إلى مفهوم قوة الفضاء، ولا يملكون فهماً تاريخياً لما يعنيه إنشاء فرع منفصل بالنسبة للسياسة الفضائية على المدى الطويل. وبالمقابل، أُرغم ضباط من القوات الجوية الذين اختاروا التحدث علانية على التقاعد.
والحال أنه من دون نقاش ديمقراطي صحي، نجد أنفسنا أمام عدم انسجام استراتيجي بخصوص تكنولوجيا الفضاء الأميركية. وهذا تحول مؤسف في لحظة حاسمة، يشوّش على التشريع الذي وقّعه الرئيس باراك أوباما عام 2015 في ظل دعم كلا الحزبين، والذي منح وزارة الدفاع دوراً أساسياً في تأمين مصلحة الجمهور في الفضاء وحماية إمكانيات الأمن القومي الفضائية.
الآن تبدو الولايات المتحدة مكتفية بإبداء ردود فعل فقط في أحسن الأحوال، وغير قادرة أو غير مستعدة لفهم أن البيئة الفضائية تتغير وتشهد تحولات تكنولوجية تنافسية متسارعة. فالفضاء، وفق التفكير الاستراتيجي الأميركي المهيمن، مقصور على مجال ينبغي استغلاله من أجل «الفوز بحرب تمتد إلى الفضاء».
وفي هذا الأثناء، تغيّر بلدان مثل الصين وروسيا تصوراتها لجدوى الفضاء الخارجي. فبدلاً من التعامل مع الفضاء فقط كمضاعف للقوة العسكرية يوفّر دعماً بالأقمار الاصطناعية لفروعها العسكرية الرئيسة، ينظر هذان البلدان (الصين وروسيا) إلى الفضاء من حيث فوائده ومزاياه الخاصة. ويشمل ذلك وعدَ اقتصادٍ بتريليونات الدولارات ينتظر من يطوّرون قدرات لاستخراج الموارد على القمر والكويكبات. وفي عام 2015، أنشأت الصين «قوة الدعم الاستراتيجي» كفرع يعادل من حيث الدرجة قوات جيشها وبحريتها وقوتها الجوية ولا يدين بالولاء سوى للحزب الشيوعي.
والواقع أن ترامب قد يكون خائفاً من التأخر عن الصين، لكن حروبه التجارية تبهت بالمقارنة مع طموح حلم الفضاء الصيني الذي يراود الرئيس شي جين بينغ. ولهذا، فإذا تركت إدارة ترامب استراتيجيةَ الفضاء في أيدي بيروقراطيات غير مهتمة بفهم هذا المستقبل الراديكالي الجديد، فإن الفضاء قد يصبح أقل حرية، والولايات المتحدة قد تصبح أكثر فقراً وأقل حرية نتيجة لذلك.

نامراتا غوسوامي
محللة متخصصة في شؤون الأمن والدفاع
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»