لقد استطاع إعصار "كاترينا" إرغام الرئيس بوش على القيام بما فشلت فيه سيدني شيهان، الأم الثكلى التي فقدت ابنها في العراق. فبعد أربعة أيام على تعرض الولايات المتحدة لأسوأ كارثة طبيعية ألغى الرئيس إجازته الصيفية ورجع على عقبيه إلى واشنطن. وإجمالا كان شهر أغسطس سيئا بالنسبة لبوش، حيث مازال الوضع في العراق متدهوراً. ولم تغنِ تصريحات ديك تشيني قبل ثلاثة أشهر بأن حركة التمرد في العراق في "نزعها الأخير" عن ازدياد عدد القتلى الأميركيين الذي وصل إلى أعلى مستوياته خلال شهر أغسطس. وحتى الجهود الدؤوبة التي بذلت لجهة التوصل إلى إجماع عراقي حول كتابة الدستور لم تتقدم بالشكل المرغوب. وبدلا من أن تكون الوثيقة النهائية للدستور مصدر سلام، أصبحت تهدد بتأجيج المزيد من الغضب لدى العراقيين.
ولم تكن تلك المصاعب لتؤثر بهذا الحجم على البيت الأبيض، لو لم تنصب سيدني شيهان خيمتها بالقرب من مزرعة الرئيس بتكساس، وهو ما جعلها محط تركيز وسائل الإعلام وحديث الساعة. فطيلة فترة احتجاجها شكلت سيدني شيهان رمزا قويا ودالا يحيل إلى أم حزينة وغاضبة تعتقد أن ابنها قتل في حرب مبنية على الأكاذيب. وقد ساهم العديد من العوامل في إبراز صورة شيهان بالشكل القوي الذي ظهرت عليه ومن ضمنها السياق الذي جاء في احتجاجها، حيث انحدرت شعبية بوش إلى أدنى مستوياتها. وفي ظل غياب قيادة سياسية تتمثل هذا الاستياء الشعبي، فإن شيهان، رغم أنها ليست من السياسيين، ملأت هذا الفراغ وألهبت حماس باقي المعارضين.
وبعد مرور أسابيع من تجاهل بوش لاحتجاج شيهان، لم يجد بدا مع حلول الأسبوع الثالث من أغسطس من التحدث إلى الجمهور محاولا الدفاع عن الحرب في العراق والرد على منتقديه. بيد أن الحجج التي ساقها بوش لم تختلف كثيراً عما ذكره في السابق، حيث قال إنه يتعين الاستمرار في الحرب حتى لا يضيع دم الضحايا سدىً، وإن الحرب في العراق ما هي إلا استمرار للحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر. ونظرا لكل ذلك يتعين علينا، يقول بوش، إظهار العزم والثبات في مسيرتنا حتى يتحقق النصر. ورغم تصريحاته تلك إلا أن بوش فشل في إقناع الأميركيين بأفكاره، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى انخفاض كبير في نسبة مساندة الشعب الأميركي للحرب في العراق والطريقة التي يدير بها بوش الوضع هناك. وقد وصلت تلك النسبة إلى 35% مما يدل على أن أغلبية الأميركيين باتت تعتقد أن الحرب كانت خطأ منذ البداية.
بعدها جاء "كاترينا" ليلقي بتحديات إضافية على كاهل بوش. فعندما ضرب الإعصار السواحل الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة لم يقدر المسؤولون الحجم الحقيقي للكارثة. فقد اعتقدوا أنها مجرد عاصفة من تلك العواصف التي اعتادت أن تضرب السواحل الأميركية في مثل هذا الوقت من السنة. غير أن "كاترينا" كان مختلفاً تماماً، خصوصا بعدما نقلت شاشات التلفزيون مشاهد الدمار والخراب اللذين لحقا بالسكان. فقد خلف الإعصار الآلاف من القتلى في نيوأرليانز وحدها مع ما صاحب ذلك من مشاكل متعلقة بتوفير الماء والغذاء وحفظ الأمن في المناطق المنكوبة. وأمام هذا الوضع الكارثي أثيرت العديد من الأسئلة حول عجز الجهات الحكومية في تدبير الأزمة والاستعداد الجيد لها. ولعل ما فاقم الوضع بالنسبة لبوش هو ما بدا عليه في البداية من عدم اهتمام، حيث ظل تركيزه منصبا على العراق، ولم يتنبه لحجم الكارثة إلا عندما بدأت وسائل الإعلام تنقل تفاصيل المعاناة التي يكابدها سكان المناطق المنكوبة. حينها قطع الرئيس بوش إجازته وقرر العودة إلى واشنطن لتنظيم جهود الإغاثة.
وبالرغم من كل تلك الصعوبات التي تواجه الإدارة الأميركية إزاء هذه الكارثة، إلا أنها يمكن أن تشكل فرصة لا تعوض لبوش لإثبات قدرة قيادية جديدة تخرج أميركا من محنتها الراهنة.
جيمس زغبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ