يجب ألا تثير إدانة "سكوتر ليبي" في اتهامات وجهت إليه بالغش والتزوير، دهشة أحد أو استغرابه. فهو ليس سوى أحد آخر كبار المسؤولين الأميركيين الذين أدينوا بانتهاك القانون، في حرب طائشة خاطئة بحكم مبرراتها ودوافعها، هي ما جرى في العراق. وكثيراً ما تكررت في التاريخ الأميركي الحديث مساعي القادة لتبرير شنهم للحروب، بتهويل حجم المخاطر والمهددات القومية، وتلطيخهم لسمعة منتقديهم، إضافة إلى لجوئهم للحيل السياسية بل والإجرامية في بعض الأحيان. وفيما نذكر، فقد عصفت فضيحة "ووتر جيت" بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، مع العلم بأنها كانت فضيحة جانبية مرتبطة بحربه على فيتنام. وما أن سرَّب "دانيل إلزبيرج"، وثائق ومعلومات "البنتاجون"، التي كشفت عن سوء التقديرات العسكرية التي ورّطت البلاد في تلك الحرب، حتى سعت إدارة نيكسون لتلطيخ سمعته. وقد بلغت هذه المساعي حداً دفع بعض عملائها إلى اقتحام مكتب طبيبه النفسي. وليس ذلك فحسب، بل وبدافع هوسها بالسرية وهواجسها المرَضية، لم تتردد الإدارة في التجسس على مقر الحزب "الديمقراطي" بمجمع "ووترجيت"، وهو السلوك الذي أفضى في نهاية الأمر، إلى تقريع نيكسون وإقالته من منصبه الرئاسي. وكما نذكر، فقد وقع الرئيس الأسبق رونالد ريجان هو الآخر ضحية لمغامراته العسكرية المثيرة للخلاف والجدل، علماً بأنه حاول التنكّر والتنصّل من مسؤوليته عن إبرام صفقات أسلحة وبيعها لكل من إيران ومليشيات "كونترا" في نيكاراجوا. واليوم فقد أصبح واضحاً للعيان، أن إدارة الرئيس بوش قد سوّقت حربها في العراق، بتضخيم المخاطر الأمنية، وتحوير المعلومات الاستخباراتية عنها. وقد كشفت الأيام والحقائق لاحقاً، عن تسرع الرئيس بوش وطاقم إدارته وعدم تحققهما من صحة المعلومات القائلة بتورط صدام حسين في تدبير وشن هجمات 11 سبتمبر، إلى جانب ما أشيع عنه من تطوير لأسلحة الدمار الشامل. ثم تلا تلك الخطوة، شن الهجوم الشرس على كل من جاهر بخطر وعدم واقعية التدخل العسكري إزاء العراق، بما في ذلك: الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والقادة والساسة الأوروبيون، وجميع القادة العسكريين الذين حذروا من مغبة شن الحرب على العراق. وكان "جوزيف سي. ويلسون الرابع"، هدفاً استراتيجياً أول لـ"صقور" واشنطن وقتئذ. فبحكم كونه دبلوماسياً وعلى إلمام ميداني بأوضاع العراق، فقد اضطلع بمهمة التحقق مما إذا كان العراق قد سعى فعلاً للحصول على اليورانيوم بغرض استخدامه للأغراض العسكرية، من إحدى الدول الإفريقية أم لا؟ وما أن تضاربت المعلومات التي توصل إليها من خلال التحقيق، مع تلك التي يعتقد البيت الأبيض صحتها، حتى كشف عن المزيد من خطل النوايا والدوافع التي تريد بها إدارة بوش، شن الحرب على العراق. وكما كشفت محاكمة "ليبي" الأخيرة، فقد كلّف المتهم بتشويه سمعة "ويلسون"، بما يؤدي إلى قفل الطريق أمام كل ما من شأنه عرقلة شن الحرب، وذلك بالكشف عن الطبيعة السرية لعمل زوجة ويلسون، بصفتها عميلة سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ولكن ها هي أكاذيب "ليبي" ومحاولته التستر على ما فعل وقد زجت به أخيراً خلف قضبان الإدانة، بينما كشفت عن تكرار انتهاكات مسؤولي البيت الأبيض للقانون، وهنا الكارثة. ــــــــــــــــــــــــــ زميلان بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"