مستقبل كوريا الشمالية
قضى الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل جونج، نحبه في ديسمبر 2011، وخلفه في السلطة ابنه كيم إيل أونْ، لكن كوريا الشمالية على حالها، تعيش فشلاً ذريعاً في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يئن تحت وطأتها كاهل الشعب الكوري الشمالي، ناهيك عن المشاكل التي تعترض علاقات البلاد مع شتى دول العالم خاصة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.
التأثيرات الناتجة عن العزلة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها كوريا الشمالية بعيداً عن النظام الاقتصادي العالمي وشؤون العالم السياسية تحتم على الكوريين الشماليين إعادة تعريف مقولات الاستقلال والأمن الوطني والحرية، وأن يولوا تركيزاً أكبر على معاني النمو الاقتصادي عبر المشاركة الفعالة في التقسيم الدولي للعمل.
الديناميكيات الخاصة بعلاقات كوريا الشمالية بالعالم الخارجي المرتبطة بالاقتصاد السياسي، تكمن في التفاعل بين الأوضاع الدولية القائمة وبين الدولة وأسسها الأيديولوجية واقتصادها الداخلي.
فبالنسبة لكوريا الشمالية، تعتبر السياسة الخارجية وسيلة أساسية للمحافظة على الاستقلال والأمن الوطني وسلامة الحدود. وفي حقبة "كيم إيل جونج" تم احتكار السلطة في يد نظام حكم شديد المركزية مع قدرة هائلة وأيديولوجيا ثورية محركة جعلت من القيادة السياسية راغبة، أو على الأقل معتقدة وطامحة في السيطرة على القوى التاريخية المحركة للأحداث، الأمر الذي جعلها قادرة على تعبئة شعب ذي حس وطني شديد الحساسية تجاه العالم الرأسمالي.
لكن تلك الحالة التاريخية النادرة المتعلقة بقدرة الدولة على التعايش مع ما يقع عليها من ضغوط خارجية شديدة، اقتضت أن يدفع الشعب الكوري الشمالي ثمناً سياسياً باهظاً، تجلى في تكاليف مباشرة في شكل موارد اقتصادية ضخمة ونادرة وإمكانات تم توجيهها لخدمة صراعات سياسية -عسكرية وبناء ترسانة ضخمة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية بما في ذلك السلاح النووي. لقد كان من الأجدر الاستفادة من تلك الموارد النادرة في إدارة عجلة التنمية الشاملة المستدامة ودرء خطر المجاعة التي أهلكت مئات الآلاف من شعب كوريا الشمالية.
الواقع يشير إلى أن الخسائر غير المباشرة التي خسرها الشعب أفدح من الخسائر المباشرة وأكثر أهمية، فقد تجلت الخسائر غير المباشرة في شكل انحرافات سياسية واقتصادية وإدارية نتجت عن التركيز الشديد للسلطة في يد الزعيم الأوحد.
ما تواجهه كوريا الشمالية سيستمر إذا بقي النهج الذي تسير عليه غير متغير، فقد ثبت أن الأيديولوجيا التي تعتنقها الدولة عامل مهم التأثير في قدرة النظام على تطبيق مبادئه. والمشكلة التي تعيشها كوريا الشمالية لا تكمن فقط في أن الأيديولوجيا المعتنقة دفعت النظام إلى التضحية بمصالح الشعب الاستراتيجية والأمنية عبر الشعارات الثورية ضد الرأسمالية والامبريالية، وعبر استمرار الحزب الحاكم في وصف دول العالم الرأسمالي بأنها العدو الأول للثورة العالمية، بل إنها تكمن فيما إذا استمر الزعيم الجديد والنظام الحاكم الذي سيقيمه بالسير على النهج نفسه الذي سار عليه أسلافه. إن مخاطر ما قام به "كيم إيل سونج" و"كيم إيل جونج" تكمن في تحريف مفاهيم الكوريين الشماليين بصورة أدت إلى أن تصبح بلادهم تبالغ كثيراً في ثقتها بنفسها وفي قدراتها إلى درجة أفضت إلى أن يصبح الشعب الكوري الشمالي مضللاً فيما يتعلق بفهمه لحقائق البيئة السياسية الخارجية المحيطة ببلاده. الزعيم الجديد عاش في الغرب وتعلم فيه، والمأمول أن يكون قد اطلع على شيء من حقائقه، وأن يسعى إلى تجنيب بلاده العداء المستحكم له، فإن فعل ففي ذلك خير لشعبه، وإن لم يفعل فهي الطامة الكبرى.